من يتذكر أزمة قطر؟!

سلمان الدوسري

عندما قطعت الدول الأربع (السعودية ومصر والإمارات والبحرين) علاقاتها مع دولة قطر، قبل عامين ونصف تقريباً، بسبب تحريضها المستمر على التطرف وتمويل الجماعات الإرهابية، كانت الأزمة القطرية حينها حديث المجالس الخليجية، واستمرت حاضرة إعلامياً وسياسياً لشهور بعد ذلك، ثم بدأت تدريجياً في الأفول، فالدول الأربع موقفها واضح ومطالبها معروفة، ورسالتهم واحدة: لن نعود أبداً إلى الوضع السابق، بينما الحكومة القطرية، المتضرر الوحيد من المقاطعة، اتخذت أسلوب التصعيد السياسي والإعلامي كمعركة مصير بالنسبة لها، وتغيير شكلي، وليس جذرياً في سلوكها. مرت السنة تلو الأخرى، وفشلت الدوحة في معركتها فشلاً ذريعاً بعد أن أصبحت أزمتها نسياً منسياً، وها هي الأزمة القطرية في سنتها الثالثة، وكما كان متوقعاً لم يتغير شيء بتاتاً بالنسبة للدول الأربع، التي نسيت الأزمة، ومضت في طريقها، بينما الدوحة وحدها من لا تزال تعاني كثيراً من عزلتها، وتتوجع من استمرار مقاطعتها.
وعلى عكس سياستها الإعلامية المعتمدة على الترويج بأنها الدولة التي أصبحت أقوى، واستفادت كثيراً من المقاطعة، استسلمت الدوحة أخيراً للواقعية السياسية بأن الكرة في ملعبها، وأن الصياح والتباكي لن ينفعاها؛ اتخذت خطوة بإرسال وزير خارجيتها للرياض، لكنه لم يحضر من أجل إنجاح المفاوضات، وفقاً للمبادئ الستة التي كانت أساساً للمقاطعة، والتي تلتزم الدول الأربع بها ولا تلزم قطر فقط بها، وأهمها الالتزام بمكافحة التطرف والإرهاب بصورهما كافة، ومنع تمويلهما أو توفير الملاذات الآمنة، وإيقاف أعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية أو العنف، والالتزام الكامل بـ«اتفاق الرياض» لعام 2013، والاتفاق التكميلي، وآلياته التنفيذية لعام 2014، في إطار مجلس التعاون الخليجي، بل حضرت الدوحة لشراء الوقت وبيع الكلام دون أي أفعال تلتزم بها، لذلك حدث ما كان متوقعاً أن يعود وزير خارجيتها خالي الوفاض، بل خسرت قطر حتى كبرياءها التي بالغت في تقديرها، لتجد نفسها مجبرة على الذهاب للرياض رغماً عنها للبحث عن حل ينجيها من إطالة أمد أزمتها، ويا لها من زيارة لخصمك تطلب منه مد طوق النجاة لك.
ما الذي بقي تملكه قطر بعد فشل المفاوضات، وعدم استغلالها للفرصة الحقيقية الوحيدة منذ بداية أزمتها؟! في الواقع ينسى الكثير أن الدوحة ليست أكثر من بوق إعلامي كبير، تعتقد أنها بخلق الأزمات الإعلامية، والتدخل في شؤون الآخرين، وترويج القصص المختلقة، وإطلاق الأكاذيب المعتمدة على تمرير الأخبار المزورة، وإعادة تأهيلها، تستطيع أن تبقى في دائرة اهتمام خصومها، والقول بكل تبجح: نحن هنا. ويختصر هذه الإثارة الإعلامية المزيفة، ما نقلته مجلة «الإيكونوميست» عندما سخرت من مفارقة أمير قطر، الذي يقول فيها «نريد حرية التعبير لشعوب المنطقة وهم ليسوا سعداء بذلك»، بينما معظم القطريين مجبرون على الصمت. ربما كانت السياسة الإعلامية القطرية المعتمدة على الإثارة ناجحة ومثيرة بعض الشيء في عقود سابقة، أما اليوم فالجميع تخطاها إثر انتهاء صلاحيتها، فالإثارة لا تصنع تأثيراً على الرأي العام، فحتى كبار المجرمين والإرهابيين يصنعون إثارة ويُستمع لخطاباتهم، لكن أين هم بعد ذلك، وهذه فعلاً حقيقة قطر اليوم، تعتقد أن أبواقها الإعلامية، وليس تغيير سلوكياتها، قادرة على إنقاذها من أقسى أزمة تواجهها في تاريخها.
لو حدثت هذه المفاوضات في بداية الأزمة لوجدنا لها صدى واهتماماً إعلامياً وشعبياً، أما اليوم فلم يعد الكثير يهتم بقطر، سواء عادت، أم بقيت معزولة، نجحت المفاوضات أم لم تنجح، فالجميع أضحى على قناعة بأنه هناك داخل هذه الدول من القضايا والاهتمامات ما هو أكثر أهمية وجدوى من الانشغال بأزمة أصبحت في غياهب النسيان، هذه الحقيقة المرة التي يغفل عنها الساسة القطريون، ولذلك سيبقون معزولين حتى يلتزموا بإطفاء الحرائق التي أشعلتها نيرانهم، وفوق ذلك لا يتذكرهم أحد، سواء عادوا إلى محيطهم، أم بقوا معزولين خارجه.

*الشرق الأوسط

ثلاثاء, 18/02/2020 - 16:13