نصر الله وصوملة لبنان

محمد آل الشيخ             كاتب سعودي

الصومال دولة تتجاذبها عدة حركات إرهابية، ويبدو أنها ستستمر على هذا المنوال سنوات وسنوات، خاصة والعالم لا يكترث بما يجري فيها. لبنان هي الأخرى تسعى -للأسف- بخطى حثيثة لتكون صومال أخرى، والسبب ببساطة ومباشرة حزب الله، وارتباطه بولاية الفقيه في إيران، حيث يعتبر هذا الحزب (الاستقلال بالوطن) والنأي به عن تجاذبات القوى في المنطقة أمرٌ جلل وخيانة للولي الفقيه؛ فقد صرح نصر الله على رؤوس الأشهاد وببجاحة لا تضاهيها بجاحة أن حزبه يستلم كل ميزانياته ورواتب كوادره وأسلحته من طهران. بمعنى أنه ومريديه وجميع كوادره يعتبرون لبنان ولاية فارسية، وأنها جزء من الجمهورية الإسلامية في إيران، وحزب الله بهذا التعريف والشعارات، وكذلك المتحالفون معه، استطاعوا أن يُسيطروا على ما يقارب ثلثي أعضاء البرلمان اللبناني، ليصبح لبنان ليس دولة (عربية) مستقلة ذات سيادة، وإنما ولاية (فارسية)، يمسها ما يمس إيران، إن أدهرت إيران أدهرت لبنان، وإن ربّعت إيران ربّعت لبنان. لذلك فإن ما يشهده لبنان من مشاكل بنيوية ونزاعات طائفية وسياسية واقتصادية هو انعكاس لما تشهده إيران من حصار يكاد يخنقها، فالحكومة الجديدة التي (صممها) حزب الله، وانتقى أعضاءها وحدد مسارها، لا أعتقد أن في مقدورها أن تنقذ إيران من مشاكله، وتحديداً مشاكله الاقتصادية. فالبنوك -مثلاً- عاجزة عن الوفاء للمتعاملين معها بأرصدتهم المالية، ولا تصرف لهم أكثر من مائتي دولار أسبوعيا، وهذه البنوك مجتمعة تُحملها الدولة مسؤولية الاضطلاع بسداد أقساط الديون الضخمة التي تصل في مجملها إلى ما يقارب التسعين مليار دولار؛ ولا يبدو أن في الأفق القريب والمتوسط حلا لهذا المأزق، فحكومة حزب الله التي نالت ثقة البرلمان مؤخراً لن تستطيع توفير متطلبات اقتصادها، فعلاقاتها مع دول الخليج مأزومة، كما أن علاقاتها بأغلب الدول الغربية مأزومة أيضا، والقطط السمان المتنفذة في لبنان ليست في وارد التخلي عن مميزاتها ومكتسباتها، لذلك فليس ثمة ما يدعو للتفاؤل.

ربما أن الجهة التي مازالت تستطيع توفير موارد مالية هي فقط حركة (حزب الله) عن طريق امتصاصها لجزء من أرصدة العراق من تحت الطاولة، غير أن هذه الأموال التي تأتي من العراق إلى لبنان هي بالكاد تكفي لسد رمق حزب الله، الذي يحتاجها للصرف على دويلته ومستحقات كوادره لكي يبقى حياً، وليس على أجهزة الحكومة اللبنانية. كما أن اللبنانيين العاملين في الخارج أضحوا لا يثقون بالبنوك اللبنانية ووضعها المهترئ، طالما أن الحكومة (تسرق) ودائع العاملين فيها للصرف على نفسها، لذلك فهم يفضلون إبقاء مدخراتهم في البلدان التي يعملون فيها، أضف إلى ذلك أن المستثمرين الأجانب لم يعد لبنان مركز جذب لهم كما كان في السابق.

ولن أضيف جديداً أن قلت إن كل هذه الطوام السياسية والاقتصادية وعزوف السياح عن الاصطياف وقضاء إجازاتهم في لبنان سببه الرئيس حزب الله، الذي أصبح للمستثمرين والمصطافين العرب بمثابة (الغول) الذي يخيف كل من فكر في السفر إلى لبنان لأي سبب من الأسباب؛ والغريب كل الغرابة أن اللبنانيين يتفقون أن حزب الله هو مشكلة لبنان الأولى، ومع ذلك يصوتون له، وهم لا غيرهم، من أوصلوه وأوصلوا محازبيه، إلى السيطرة على المجلس التشريعي اللبناني. والسؤال الذي يطرحه هذا السياق: هل هو الغباء والحمق مثلاً؟.. بصراحة لا أدري!

كل ما أريد أن أقوله هنا إن أغلبية اللبنانيين هم سبب كوارثهم وطوامهم، فلا يلومون إلا أنفسهم.

إلى اللقاء

*نقلا عن صحيفة "الجزيرة"

أربعاء, 19/02/2020 - 16:06