مؤتمرات أحزاب المعارضة.. هل تقود إلى تغيير؟

تستعد أحزاب في المعارضة لعقد مؤتمراتها العامّة بعد سنوات من الجمود والتأجيل في ديناميكية سياسية، تأتي بعد التغييرات السياسية التي عرفتها البلاد خلال الأشهر الماضية، بعد التناوب في هرم السلطة وما تلاه من تطورات. 
ثلاثة أحزاب على الأقل أعلنت نيتها عقد مؤتمرات عامّة خلال الأسابيع المقبلة. وهي أحزاب التحالف الشعبي التقدمي، وتكتل القوى الديمقراطية، وحزب اتحاد قوى التقدم. 

أحزاب ثلاثة تمثل نواة المعارضة التقليدية في البلاد حيث كانت جميعها ذات يوم ضمن حزب المعارضة التاريخي اتحاد القوى الديمقراطية في عهديه القديم والجديد. 

قوى التقدم.. أزمة الرفاق
يعتزم اتحاد قوى التقدم عقد مؤتمره العام الرابع على وقع أزمة سياسية. لكن هذا المؤتمر لا يزال موضع تجاذبات قويّة بين قادة الحزب، خاصّة تلك المجموعة التي تترأسها نائبة الرئيس، النائبة البرلمانية كادياتا مالك جالو، والأمين العام محمد المصطفى ولد بدر الدين. أزمة سياسية قوية تعود جذورها إلى مؤتمر الحزب الثالث الذي عُقد في ديسمبر 2012 حيث كان هناك تيّار يتطلع إلى التغيير عل مستوى قيادة الحزب، وتعمّقت الأزمة مع مقاطعة الحزب لانتخابات 2013 البرلمانية والبلدية، وكانت مشاركة الحزب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة القشّة التي قصمت ظهر بعير الانسجام داخل الحزب وأدت إلى طرد وتعليق بعض القيادات من طرف قيادة الحزب. 
وفي حال انعقاد المؤتمر في الظروف الحالية فمن المتوقّع أن يعمّق الانقسام داخل الحزب وصولا إلى انشقاق محتمل للقيادات المعارضة لزعيم الحزب محمد ولد مولود الذي سيؤكده المؤتمر، دون شك، على رأس الحزب لكونه الوحيد الذي يحظى بثقة مكونات الحزب.
اتحاد قوى التقدم تأسس سنة 1998 بعد انشقاق ما كان يعرف بالحركة الوطنية الديمقراطية عن حزب اتحاد القوى الديمقراطية-عهد جديد، وهي الحركة التي ولدت من رحم حزب الكادحين في سبعينيات القرن الماضي. 

التكتل.. مؤتمر بعد سنوات النزيف
أما حزب تكتل القوى الديمقراطية فقد أعلن بدوره عن استعدادات لعقد مؤتمر عامّ هو الثاني بعد مؤتمره الأول سنة 2007، الذي انعقد بعد سبع سنوات من تأسيس الحزب سنة 2000 على أنقاض حزب اتحاد القوى الديمقراطية بعد حلّه من طرف الحكومة. 
خلال المؤتمر الأول أعلن الحزب عن عدد من المنتسبين بلغ 170 ألفا وذلك بعيد الانتخابات الرئاسية التي حصل فيها مرشحه وزعيمه أحمد ولد داداه على أزيد من 47 بالمائة. فقد استفاد الحزب من تركة الحزب الجمهوري الحاكم سابقا وانضم إليه الآلاف من منتسبي هذا الحزب وقادته. لكنّ الحزب عرف نزيفا مستمرا منذ ذلك الحين فقد فيه العشرات من قياداته كان آخرهم رئيسه المؤسس محمد محمود ولد لمات الذي غادر الحزب قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
كما تراجع حضوره الانتخابي بشكل كبير فقد تراجعت حصته في البرلمان من 19 بالمائة سنة 2006 إلى أقل من 2 بالمائة سنة 2018 كما أن مرشح الحزب لرئاسيات 2019 محمد ولد مولود حصد أقل من 3 بالمائة من الأصوات. فهل يشهد المؤتمر الجديد تغييرا، في ظل حقيقة أن زعيمه لم يعد بإمكانه الترشح للرئاسة. أم أن زعيم الحزب أحمد ولد داداه سيحافظ على موقعه، خاصّة أن معظم من كان يتوقع أن يخلفوه قد غادروا الحزب. 

التحالف الشعبي.. أول مؤتمر عام
حزب التحالف الشعبي التقدمي، بدوره، أعلن عن حملة انتساب يعقبها مؤتمر عام للحزب الذي لم يعرف عقد مؤتمر عام منذ تغيير تركيبته السياسية وانضمام مسعود ولد بلخير ورفاقة إليه سنة 2003. مسعود كان من أوائل من انسحب من حزب اتحاد القوى الديمقراطية بعد خلاف مع زعيم الحزب الجديد أحمد ولد داداه وأسّس سنة 1996 حزب العمل من أجل التغيير الذي حلّته الحكومة سنة 2001 وحاول تأسيس حزب آخر ولم يتمكن قبل أن يفتح له الناصريون أبواب حزبهم التحالف الشعبي التقدمي فانضم إليه وتزعمه وترشح باسمه لرئاسيات 2003، ورئاسيات 2007، التي حصل فيها على حوالي 10 بالمائة، ولم يسلم الحزب من نزيف الانسحابات التي خرج فيها معظم زملاء مسعود في حركة الحر، غير أن الحزب ما يزال يحافظ على ثلاث مقاعد في البرلمان التي حصل عليها في انتخابات 2001 و2006 و2013 و2018.
ما يميز حزب التحالف عن حزبي اتحاد قوى التقدم وتكتل القوى الديمقراطية هو تبدل موقعه السياسي عدة مرات خلال العقدين الأخيرين. فبعد أن كان في صفوف المعارضة أصبح ضمن أغلبية الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ودخل حكومته وعارض الانقلاب عليه سنة 2008 واستمر معارضا للرئيس المنتخب بعد ذلك محمد ولد عبد العزيز، قبل أن يختط لنفسه منزلة بين منزلتي المعارضة والموالاة أُطلق عليها "المعارضة المحاورة"، كما حصل على منصب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي بعد مغادرة رئيسه لمنصب رئيس الجمعية الوطنية سنة 2014 وحتى الآن.
 مسعود ولد بلخير دعم الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني في الرئاسيات الأخيرة غير أنه لم يجد ما يصبو إليه وهو ما دفعه للعودة مجدّدا إلى ساحة العمل السياسي الميداني من خلال مهرجان شعبي أبدى فيه امتعاضا من الحكم الجديد مؤكدا على تماسك حزبه وأنه لم يفقد الأمل في الوصول إلى الرئاسة رغم تجاوزه للعمر المحدد دستوريا. وهي تصريحات ربّما تعني أن الرجل لن يترك قيادة الحزب في المؤتمر المنتظر، حيث لا يزال يتطلع للعب دور سياسي قيادي.

مؤتمرات حزبية، وإن لم تحمل تغيير على مستوى القيادات، فإنها بلا شك ستحمل تصعيدا لوجوه جديدة إن أرادت هذه الأحزاب أن تحافظ على بقية من مكانة سياسية في المشهد السياسي الجديد.

مركز الصحراء

أحد, 01/03/2020 - 09:12