تأملات!

خالد الفاظل

كلما تخيلت أن هناك 7 مليارات من البشر ستتناول الغداء هذا اليوم مع فارق التوقيت طبعا، وكم من بيضة سيتم كسرها في القارات الخمس، وعدد الدجاجات التي تبيض الآن! وعدد خلايا النحل المنهمكة في إنتاج عسل طبيعي يكفي لحاجة البشرية المحبة له، وكمية حبات البطاطا التي سيتم تقشيرها وتحويلها إلى بطاطا مقلية، وعدد جرعات اللبن التي سيتم ارتشافها من الأطفال الرضع حول العالم، وعدد الحيوانات البرية التي تجوب الغابات والسهول تبحث عن طعامها، وملايين الكائنات البحرية التي تجوب الأعماق قرب الشعب المرجانية تبحث عن أرزاقها وهي أرزاق لسفن تمخر عباب البحار محملة بالشباك، ومملكة من النمل تتسلق جذع شجرة معزولة في صحراء "أوكار" بكل سعادة بعد عثورها على حبة بسكويت بقيت عن مسافرين كانوا يجوبون تلك الفيافي الموحشة على جمال تحمل الملح، وقططا سائبة تتسكع ليلا قرب المنازل بحثا عن بقايا الطعام؛ ولا أحد من الحكومة يتعاطف معها؛ ولا مواطن يفكر فيها قبل أن ينام متسائلا: "هل كل القطط في العاصمة تناولت العشاء؟". كلما فكرت في هذه الأشياء المتشعبة جدا؛ وأن أغنى أغنياء العالم اليوم؛ لو طلب منه تأمين الطعام ليوم واحد لكل سكان الأرض من البشر والزواحف والحشرات والطيور والأسماك والكائنات الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة فإنه لن يقدر. كلما فكرت في هذه الأشياء؛ استحضرت قوله تعالى: ((وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)).

كل ما عليك فعله أيها الكائن المغرور أن تنهض ولا تمشي في الأرض مرحا، فكل رزق ستناله يمكنك أن تتسبب من خلاله في إطعام الكثير من الكائنات الحية على هذا الكوكب. مثلا؛ الخبز الذي تشتريه، يساهم في تسديد رواتب عمال يعيلون أسر، أما بقاياه فستذهب إلى علف يبهج الماعز أو النمل، وما ذهب إلى بطنك؛ فسيتحول إلى طاقة تمتصها خلاياك تبعث فيك الحماس لتتأمل بعقل حر وتقتحم التدافع وتوجه الحكومة وتصلي وتقوم بعملك أو تبحث عنه إن كنت عاطلا وتتعارك مع أهل البيت، أما ما سيتحول إلى فضلات غير مفيدة فإنه يتحول إلى سماد يزيد من خصوبة التربة مما يساعد مزارعي النعناع في تخفيف آلام صداع الشاي عن آلاف من الموريتانيين في العاصمة، ويجعلك أيضا تلتقط صورة سيلفي في مكان أخضر. حذاري بأن تحسب وجودك في هذه الحياة كان شيئا سلبيا، الله خلقك، لأنك مفيد بطريقة ما في استمرار دورة الحياة. أياك بأن تشعر بالشفقة على نفسك ثم تبتئس. لقد كرمك الله وبث فيك الحياة، ولديك الآن فرصة كبيرة لتنقذ البشرية؛ ابق في منزلك، وتذكر قوله تعالى: ((وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)).

هنا توجنين(الحي الإداري). الدنيا بخير رغم كورونا، وغدا بإذن الله ستزقزق الطيور في الأشجار ويذهب الخوف، وتفتح جميع المطارات في العالم، وسيعود البشر لمشاكلهم السرمدية أكثر تواضعا وحكمة وشكرا للنعم الكثيرة، وسألتقى أنا مع أم قصي بين موسم جني التمور وعودة الأبقار من لعزيب؛ هي ستأكل الضب وأنا سآكل عيشا منقوعا في لبن البقر الأبيض، وربما لا أقف بمفردي في شارع لحبيب بوركيبة إذا زرته مرة أخرى. لا أعتقد أن الصورة تخدم النص ومتأكد أن النص لا يخدم الصورة أيضا. فقط؛ وجدتني هذا الصباح مشتاقا لتناول وجبة "مقلوب" أكلتها في أحد المطاعم المطلة على الشارع في 2017، وأنا أتأمل تمثال المفكر ابن خلدون بنهاية الشارع؛ وقد بقي جسده واقفا بالمشرق في صورة تمثال، بينما فكره ينبض بالحياة في الغرب! ربما بعد فيروس كورونا؛ نقرأ فكره بتعقل ليعيد الثقة إلى أنفسنا، إن سلمنا من نمو خطابات من قبيل؛ يجب علينا أن ندرس المناهج باللغة الصينية ونطبق نظام الحزب الواحد في الحكم بغية مواكبة الحداثة، التي ربما تجعلها الكمامات تتوجه إلى بني الأصفر ليبقى المغلوب مولع دائما بتقليد الغالب كما قال ابن خلدون. إن الحقيقة التي أوضح لنا فيروس كورونا بكل جلاء:"أن لا أحد أحسن من أحد، العمل والثقة بالنفس هما من يصنعان الفرق بين الشعوب". من هذا المنبر؛ أشيد بخبر مبهج عن سعي وزارة التنمية الريفية لزراعة 2700 هكتار بالخضار وهو ما سيساهم في الوصول إلى الاكتفاء الذاتي، والذي يجب أن نصله في جميع القطاعات الحيوية نظرا لما يجتاح العالم من خمول اقتصادي لا ندرى متى سينتهي، كما أن المثل الشعبي يقول: "لي ماهو فكرشك لا تعمل عليه"، لا أدري لماذا خيالي هذه الأيام يتسكع بين الأواني طيلة النهار؟ جمعتكم مباركة.

الساعة 13:12 وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

سبت, 11/04/2020 - 11:34