لكل عهدة حكاية

محمد ولد سيدي

علمتنا التجارب، أن نستبدل أي فريق سقط في الأدوار التمهيدية، أو فشل في التأهل للألقاب القارية، عندئذ يقال المدرب، و مساعدوه، ويكلف آخر بنفس المهمة النبيلة، كل دول الجوار، حقق لها، محليون، نجاحات عظيمة في الرياضة،و في مجالات أخرى، كالزراعة مثلاً، والبنى التحتية، والصناعات المختلفة،على ضوء أن التنمية "شمولية " ،ووسائل الترفيه، من أبرز تجلياتها ، فأين نحن من هذا كله؟

لم نسمع في السنغال، ولا في المغرب، ولا في الجزائر عند بداية كل عهدة، عن سياسة الأرض المحروقة، فقد دأبت حكوماتنا المتعاقبة على طلب مهملة لترتيب بيتها الداخلي، بإعتبار أن الخزينة خاوية على عروشها ، لكن الكارثة ، أن حكومة المرحلة الإنتقالية الأولى التي كان يعول عليها في الإصلاح الشامل، رحلت قبل أن تخترق معول الهدم لإقتصادنا ،المترسب في "ملكاتنا " : " الل اتول ش ظاكو " ..!

بعد المرحلة الإنتقالية استبشر المواطنون بميلاد أول حكومة منتخبة ديمقراطياًّ ،ساد جو من الأريحية والإنفتاح على كافة الطيف السياسي، وحسب الناس أن مرحلة من الرخاء والإزدهار ستتحقق، وأن عهداجديدا،من الخصب والعشب قد بدأ ...ولكن، هيهات، الحكومة الوليدة، التي عقدت عليها آمال التعساء من العمال والمهمشون و حملة الشهادات والمزارعون هيأت الرأي العام لتقبل فشلها وهزيمتها في الإصلاح وكررت نفس الحكاية، الخزينة خاوية على عروشها، والوفاء بالوعود يتطلب بعض الوقت...

دقت حكومة الآمال ناقوس الخطر، حكومة ولد الشيخ عبدالله صالت، وجالت، وحطمت الأرقام القياسية في الأسفار، سائلة العون، من الدول الغنية، فانهالت ، عليها سحبا من المساعدات ، وتم شطب، الديون عنها، كل ذلك، لم يرفع من المستوى المعيشي للسكان، و وجدت مدينة الطينطان في كبوتها من المساعدات آنذاك ، مايشيد لساكنتها سوتشي الحوض الغربي ، فلم تعد الطينطان ،دبي موريتانيا ، ولا هيلسينكيها ، لتبقى - أي الطينطان- شاهدة على عصور الفساد، تنتظر حفنة من ملايين الدولارات تلملم بها جراحها...

جاءت حكومة العشرية، وركبت قطار الإخفاق هي الأخرى ، فأنستنا الأسفار ،و استحدثت، حكاية محاربة الفساد والمفسدين ،وأثبتت الأيام، أنها أبدعت في بحر الفساد، أيما إبداع، بيع البحر، و بيع الجو، و بيعت الثروات المعدنية، وتم إفلاس مؤسسات سيادية واكبت الإستقلال: سونمكس، وصوملك، وصونادير، وثبت للناس بعدها ، أن محاربة الفساد والمفسدين، مجرد حكاية!!...

لكل عهدة حكاية، جاءت حكومة ولد الشيخ الغزواني، فأبلغتنا بفصل آخر من قصة " علاء الدين أبو الشامات وزبيدة" عنوانه " تعهداتي " ووعدت " باللبن والرغوة " وملء البطون الخاوية، وإنصاف من ظلمهم التاريخ، وهمشتهم الأنظمة الإستبدادية ، لنتفاجأ " بتعهداتي" تقدم مسلسلاً متقن الإخراج ، جيد الحبك، " منح " الثقة لنفس "الوجوه " التي فشلت في النهوض بالبلد في التسعينات، يعاد " تدويرها " ..

لكل عهدة " حكاية " ،وحكاية ماركتينز، لا تختلف كثيرا عن حكاية بيرام كي، وباب سك، فكلهم أخفق في تحقيق حلم المرابطون،تنظيم كأس الأمم الإفريقية، أو الفوز بها ، أو التأهل الى كأس العالم،والفريق إذا" تقادم " في السن، أو أخفق في تحقيق" لقب" ، يستبدل بفريق، أكثر عطاءاً ،ورغبة في النجاح، و المفارقة أن نفس الطواقم التي دأبت على الفشل، والعجز، هي نفسها التي تتبادل الأدوار، في كل عهدة، وفي كل زمان، ومع ذلك ننتظر منهم الذهاب الى المريخ، و أخذ قدم من سلم التقدم والرقي، وإطلاق الأقمار الإصطناعية ..نظرية التدوير هذه ، يقابلها في الطرف الآخر من المعارضة ، وجوه شاخت في النضال ، و فشلت في التغيير ،و كسر أذرع التلون، والسيطرة على بيت المال، ومايثير الإستغراب هو رحيلها مع حكاية " تعهداتي " ،وهي التي كانت بالأمس تطالب بالرحيل، فرحل عنها من تكره،عزيز و معاوية، إلا أن الأخيرة ،ذابت، بعدهما في الموالاة ذوبان الثلج تحت لهيب الشمس الحارقة، متناسية أدبياتها في غابر العهود، ودون تحقيق أي مطلب من مطالبها، التي شغلت بها الشارع، وحطمت بها آمال جماهير عريضة من المجتمع .!!

في كل عهدة حكاية! ،متى ننهض، متى نتقدم، متى نحقق الأمجاد ،ليس بالقدامى الذين لم يتحرروا من عقدة التراث ، ولكي نقرب من النجاح ،او نسلك سبيله ،لابد من قطيعة ابستمولوجية ، مع كل ماله علاقة بفرق الفشل التي عهدناها على نجيلة الملعب ، عندها، يمكن أخذ أكثر من قدم في سلم النهضة، إذا وجدت الإرادة ، واستحسن استغلال الثروة، ووجهت البرامج التنموية التوجيه السليم، ولكن، هيهات، هيهات، ف للنجاح" رجاله"..ليكوان يو، و مهاتير محمد، ورجب طيب اردغان، وبول كاغامى، ولولا ديسيلفا،من تشبث بأفكارهم سيدخل تاريخ العظماء من بابه الواسع،ومن سلك " نهج " الإخفاق ،والأقرب ثم الأقرب ،سيشهد عليه التاريخ بالفشل ،والخيانة العظمى ،لذا علينا أن نستخلص الدروس من ماضينا المؤلم...وإلا سنظل ندور في حلقة مفرغة، نهدي ثرواتنا للدول الأجنبية بأقل الأثمان، ويستشري فينا الفساد دون حساب أو عقاب لمن خانوا الأمانة ، وخانوا الوطن...

إن حكاية " تعهداتي " في النهضة الشاملة، إذا أرادت، أن يكتب لها النجاح ، لابد أن تعتمد على الأركان الثلاثة التالية:

1- ضخ دماء جديدة واستبدال الفريق العاجز بوجوه شابة لا تؤمن بالجهة ولا المحسوبية ولا القرابة ولا اللون ولا القبيلة ...

2- محاسبة المفسدين مهما كانت مكانتهم ووزنهم الإجتماعي. 

3- إستعادة الأموال المنهوبة خلال الفترات السابقة وما أكثرها !!!

قد يقول جهول ،أو متجاهل، مبررا "الفشل" أن الفساد يوجد في دول الجوار الإفريقي، وفي كل بلدان العالم، نقول : له ولغيره، أن الفساد موجود في كل بلدان العالم، ولكن ، بنسب متفاوتة، غير أن " سياسة الأرض المحروقة " عند نهاية كل" عهدة " لا يوجد لها نظير في العالم ،الثالث، مابلك في العالم المتحضر،فالطريق إذا خلا من الإعوجاجات يمكن أن يوصل الى الهدف الأسمى، وإذا عكس ذلك فإن عراقيل كثيرة ستكون متعبة وشاقة ومملة... 

على مبرري " الفشل " التعقل في "الأشياء "وقراءة الواقع قراءة عميقة و موضوعية، نحن شعب توفرت فيه كافة عوامل النهوض والتقدم لايمكن أن يظل في قائمة الشعوب "الضعيفة"، فمش ممكن أن تنهض شعوب بلا موارد، ويبقى شعب الموارد المتعددة، ومش ممكن أن تنهض شعوب متعددة الديانات والمذاهب، ويبقى شعب وحيد الديانة، وحيد المذهب !!!

لكل عهدة حكاية، و حكاية " تعهداتي " أوشكت أن يحل عليها الحول ، والشعب وعد بالبناء و رفع الأجور ومحاربة الفساد، والتصنيع، وامتصاص البطالة، والرقي ، وتقوية اللحمة الإجتماعية، ومرتنة المواد الإستهلاكية، وتخفيض الأسعار ، واصطلاح التعليم ،فهل تحقق بعضا من هذه الحكايات ..إننا ننتظر ، فريقا آخر أكثر خبرة، من فريق ماركتينز هذا، فقد فشل و عجز، مثلما عجز ،أضرابه من قبل ، و آن الأوان ،لرحيله ،وآن الأوان في استراتيجية مخالفة و فريق مغاير وشاب قادر على قهر العراقيل وتحقيق الأهداف المنشودة، فالشعب سئم من الوعود ، وآن لمكامن الخلل أن تزول.. 

موريتانيا..مزدهرة، موحدة، خالية من فيروسات الفساد، والغبن، والمحسوبية- تجمعنا!!

ثلاثاء, 02/06/2020 - 14:44