ضوء في نهاية النفق

رياض نعسان أغا

السوريون جميعاً يتساءلون: أما من ضوء في نهاية هذا النفق المظلم الذي تاهوا في غياهبه تسع سنوات وما يزالون تائهين؟ بعضهم يتفاءل بأن تتفق الدول العظمى على ضرورة الحسم مع نهاية السنة العاشرة من المأساة عبر جدية في تنفيذ القرار الدولي 2254، وبعضهم يعتقد أن هذا القرار كان مجرد عملية إلهاء للسوريين، وأنه فقد فاعليته بعد قرابة خمس سنوات على صدوره وثماني سنوات على مرجعيته في بيان جنيف 2012 ولو كانت الدول الكبرى جادة في تنفيذه لما أعاقها الفيتو الروسي بطريقة مسرحية في مجلس الأمن كل هذه السنين التي لم يتوقف نزف الدم فيها، وبعضهم يعتقد أن إسرائيل هي التي توقف الحل السياسي وليس روسيا، وهؤلاء يدعون السوريين المعارضين إلى طرق باب إسرائيل وبعضهم قام بزيارات خاصة آملاً بأن يعود منها حاملاً الحل في جيبه، لكنه عاد خاوي الوفاض.. وبعض السوريين يؤمل أن تنهض الولايات المتحدة بدورها القيادي في العالم، وتتخلى عن سياسة التخلي لروسيا، وقد نشط هذا الفريق مع اقتراب تنفيذ قانون سيزر الذي سيحكم حصاراً على النظام السوري لمدة خمس سنوات قابلة للتمديد خمساً أخرى، وهذا القانون يضعف الحكومة لكنه لا يحسم القضية، بل يعتمد على سياسة الخنق البطيء. وفي الشمال السوري حالة من الغموض المثير، فقد توقفت الحكومة وحلفاؤها عن خطة الهجوم على إدلب (مؤقتاً) وتمكنت روسيا وتركيا من وقف إطلاق النار وبدأت بتسيير دوريات مشتركة على الطرق الدولية، وتم فتح بعض المعابر لتنشيط التجارة الداخلية بين المناطق الخاضعة لسيطرة «النصرة» ومناطق سيطرة السلطة. لكن مئات الآلاف من النازحين من قرى المحافظة، ممن هدمت بيوتهم منذ سقوط خان شيخون وما تلاها من مدن وبلدات، ما يزالون في العراء، حتى دون خيام، وفي تشرد لا تتوافر فيه شروط الحياة، وقد قاموا قبيل عيد الفطر الماضي وخلاله بتظاهرات عارمة حددوا فيها مطلباً واحداً هو العودة إلى بلداتهم وقراهم وبقايا بيوتهم، ولم يجدوا تغطية إعلامية لتظاهراتهم ولا صدى سياسياً لها. وقاموا بتظاهرات سلمية عديدة ضد «النصرة» وضد حالة الفلتان الأمني وضد انتشار الاغتيالات والسرقات وعمليات الخطف، وطالبوا بخروج «النصرة» وكل التنظيمات المتطرفة. لكن هذه التنظيمات لم تستجب، ولابد أن داعميها من الخارج ما يزالون مصرين على بقائها، وبعض السوريين يتخوفون من احتمال وجود سيناريوهات شبه خفية لترسيم تقسيم في سوريا حسب مناطق دول النفوذ، وأن تصير إدلب مثل غزة، وأن يحصل الأكراد على حكم ذاتي على غرار كردستان العراق، وأن تختص روسيا بالمنطقة الساحلية، والولايات المتحدة بمناطق النفط وحمص والبادية، وأن تكون دمشق وحوران حصة إيران. وهذه المخاوف رغم كوني أستبعدها، تثير الشارع الذي بات يقرؤها من خلال الوقائع، ومن خلال حالة العطالة السياسية التي أوقفت الحراك الدولي بسبب وباء كورونا الذي أخذ الاهتمام كله.
ويضاف ذلك إلى الغموض الراهن الذي فتح شهية التوقعات ومسلسلات الأكاذيب في الإعلام الداخلي والعالمي، ما حدث من صراعات السلطة مع رجال أعمال محسوبين عليها، وفسرت بأنها تصفية الحسابات المالية بين الشركاء قبيل انفراط العقد. وكانت الغمامة السوداء التي مرت في سماء علاقات دمشق وموسكو، والتي وصلت إلى تهديد روسيا من قبل شخصيات موالية جداً للحكومة، رداً على حملة روسية ضد الفساد داخل السلطة، قد جعلت التكهنات تصل إلى جموح واسع.
ولئن كان بعض الدبلوماسيين الدوليين (الذين يفكرون وهم في الثلاجة) يعتقدون أن اللجنة الدستورية التي ولدت ميتةً قادرة على إحياء الحل السياسي، فإنهم واهمون أو يريدون مزيداً من الشقاء والآلام للسوريين في الداخل وفي الشتات.

* نقلا عن "الاتحاد"

خميس, 04/06/2020 - 09:40