النجوى!

خالد الفاظل

الأغاني الجميلة أصبحت مملة، الاستحمام الصباحي لم يعد منعشا، الطعام فقد نكهته. قصائد محمود درويش لم تعد تعجبني، لأن بطل قصيدته "لا شيء يعجبني" تعب من السفر ويريد أن ينزل من القطار قبل الوصول للمحطة الأخيرة.  عقلي يشبه ديكا يتم تسمينه قسريا في مزارع الدواجن في نواكشوط، أنه ينمو ويتضخم دون أن يستمتع بالقفز بحرية خارج الحظيرة. جسدي  الذي لا يمثل روحي والمنتصب في المنزل كتمثال المستكشف كريستوف كولومبس الذي أزاله المتظاهرون الغاضبون من عدالة الغرب المغشوشة يجب أن يحطم، يجب أن يسقط.، ثم يرمى في البحر الذي فشل في مقاومة رياح السموم القادمة من الصحراء الكبرى.

قلبي لم يكن بتلك المثالية التي تصورتها العصافير وهي تحوم في سمائه. جميع العصافير التي اقتربت منه ماتت، وأصبحت طعاما لذيذا للذكريات. الأصدقاء الذين لعبت معهم الكرة في ظلال البيوت تساقطوا في حفرة الزمن ككرات البلياردو. ومن تبقى منهم أصبح مملا وكئيبا كإطلالة الحكومة في زمن كورونا. أما الأصدقاء الجدد، فلم يعد لدي الوقت الكافي بغية إجراء امتحان لهم لمعرفة إخلاصهم. يجب أن نتبادل المصالح والحكم فقط.، ثم نفترق بإحسان. 

الوطن أصبح محايدا، لا يدخلنا الجنة ولا ينقذنا من النار! أريد أن أواصل الأسفار، لا أن أريد أبقى مثل شجرة كرون لمحادة، لا ثمار يانعة لها، ولم تنجح في إيقاف زحف الرمال ولا بجعل الغيوم تذرف الدموع. لست كمحمود درويش، فكل شيء ما زال يعجبني. ولا أريد النزول قبل الوصول للمحطة الأخيرة..

الآلام كثيرة في الحياة ومتشعبة، لكنها متقطعة الأوصال دائما، لنستغل تلك الفواصل الصغيرة لصناعة الحلوى والقيام بأشياء مفيدة تساعدنا على تذوق الحياة ودخول الجنَّة.

لست متدينا بما فيه الكافية حتى أصبح واعظا وأذكركم بجهنم وأنتم تشعرون بلهيبها في بلادكم الواقعة فوق خط الاستواء، في المنطقة الفاصلة بين الغابات المطيرة ومناخ المتوسط. أدرك أن طرائقكم نحو الحقيقة مختلفة، وأنني لست وصيا عليكم ولا أرى ما يحدث في قلوبكم العميقة كآبار النفط حتى أنصحكم بشكل جيد ولبق. كل ما في الأمر، أنني بعد منتصف النهار شعرت بالرغبة في الثرثرة ولسيت لدي تجارب طازجة أتحدث عنها، فمنذ أسابيع لم أخرج من الأبعاد الحقيقية للمنزل بسبب كورونا، والوقوف فوق سطح المنزل لا يساعد في معرفة ما يحدث في الوطن ولا في شم روائح الحكم المخبأة في الأسفار!

 الثرثرة هي قمامة الأفكار ويجب أن نتخلص منها من حين لآخر. ولكي لا تتكدس في قلوبنا وتصبح خطرا على صحتنا يجب أن نطالب بحرية التعبير ونتخلص منها في الأحاديث الجانبية أو في تطبيقات التواصل الاجتماعي أو نكورها كالبيض الفاسد ونرمي بها كل الأشياء التي لا تعجبنا، بدل أن نتركها تتخمر في أنفسنا لتسبب لنا الأمراض التي يسببها الكبت والتناقض ومن أكثرها شيوعا "المجبنة". لكن تذكروا جيدا أن الكلام مثل السيف ذو حدين..

قال تعالى: (( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )).

هنا صكوكو. الساعة 15:04 وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

ثلاثاء, 16/06/2020 - 16:31