مُرَافَعَةٌ من أجل إنشاء "سُلْطَةٍ وطنية للامتحانات".

المختار ولد داهى

"بعد أسابيع قليلة سيتم بحول تنظيم الامتحانات النهائية لسنة تعليمية "صفراء"(و الحمد لله أن لم تكن بيضاء) بالمدارس و المعاهد و الجامعات و كذا الامتحانات الختاميةللمسارات الابتدائية و الإعدادية و الثانوية و الجامعية و هي مناسبة لتأمل النواقص و الشوائب التي تشوه "سمعة الامتحانات" ببلادنا و سانحة لمحاولة كتابة "الأحرف الأولي" للحلول المناسبة.

و تعاني حَكَامَةُ الامتحانات ببلادنا من  العديد من النواقص التي تخدش سمعة طهارة الامتحانات و تنذر بتدمير " البقية القليلة الباقية" من مصداقية الدِبْلُومَاتِ و الشهادات التعليمية الوطنية  و من تلك النواقص ذكرا لا حصرا:-

أولا-شائعةُ"التسريب الانتقائي" لمواضيع الامتحان:تعتبر صناعة شائعات تسريب مواضيع الامتحانات "الرياضة المفضلة" لطلاب الامتحانات الختامية(الباكالوريا تحديدًا) خصوصا خلال الأيام القليلة السابقة لمواعيد الامتحانات و لا يُستبعد أن يكون لبعض "المؤسسات التعليمية الحرة" و "مشاهير أساتذة دروس التقوية في  المواد الأساسية" و "الوراقات التجارية" مآرب ربحية وراء تأجيج تلك الشائعات.

و الثابتُ أن  التسريب الشامل و الجزئي لمواضيع الامتحانات الختامية( الباكلوريا،...) قد حدث مرات عديدة  ببلادنا  خلال العقود الماضية و المتواترُ  أن التسريب  قد انحسر بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة و إن مازال الخبر  -الذي يحتمل الصدق و الكذب- متكررا عن نوع من "التسريب الانتقائي" قليل العدد يُفَسِرُ به الطلاب   مفاجآتِ و "خوارق" تجاوزِ   زملاء لهم  من بعض أبناء "الأثرياء و الأقوياء " الذين لم يوفقوا  في كامل الاختبارات و "الامتحانات البيضاء"Mock Exams,Examens blancs) )خلال السنة الدراسية في تجاوز مِعْشَارَ المعدل المطلوب للتجاوز. !!
 
ثانيا-ظاهرة "الغش المدرسي و الجامعي": تتحدث بعض المصادر العليمة عن بلوغ  تقنيات الغش مستويات "مزعجة" خصوصا مع تطور الوسائط الرقمية الحديثة و ذلك  بتشجيع و تنفيذ مكشوف أحيانا من بعض الأهالي و "الأساتذة-ملاك المؤسسات التعليمية الخصوصية" الذين يسعون بكل الطرق - لأغراض مَرْكَنْتَالِيًة و تسويقية لمؤسساتهم- إلي كسب المراتب الأولي في قوائم الناجحين.

و لا يستبعد بعض أساتذة جامعة نواكشوط أن تكون نسبة المنتسبين إلي السنة الأولي من الجامعة من الحاصلين الجدد علي الباكلوريا  عن طريق الغش تتجاوز حاجز الرقمين (la barre des deux chiffres/Double digits) بفعل الضعف الشديد في المستوي للمنتسبين الجدد إلي الجامعة الذي يصل أحيانا سقف العجز عن القراءة السليمة و الكتابة الصحيحة. !!!

كما أنه ليس من المفاجئ أن يصل باحث مستقل إلي خلاصة مفادها أن خُمُسَ طلاب  بعض كليات و أقسام الجامعة إنما يتجاوزون بفعل الاستخدام الواسع  لتقنيات الغش و أن أكثر من خُمُسَيْ بحوث التخرج بالجامعة و تقارير نهايات التدريب بالمدارس و المعاهد إنما هي  "نَسْخٌ و لَصْقٌ"(Coppier-coller/Cut and (paste أعمي، عديم الذوق، "غَلِيظُ الحَاشِيًةِ". !!!

ثالثا-شبهةُ ازدواجية معايير التصحيح و التقييم:  من المألوف في الأوساط التعليمية تزامنُ موسم تصحيح الامتحانات الختامية عادة مع حديث واسع عن محسوبية منفرة في اختيار المصححين و تذمر ساخن من ضآلة التعويضات المالية المخصصة للمصححين و هو ما يترتب عنه خلل في ضبط معايير التصحيح إذ يشاع علي نطاق واسع أن كثيرا  من الأساتذة يصحح خلال ست ساعات يوميا ستين  و رقة  إجابة في حين أن منهم من يمر كالبرق الخاطف خلال نفس الفترة  علي مئات أوراق الإجابة. !!!

و ينجم عن التباين الصارخ في المستويات العلمية و الاستقامة الأخلاقية للأساتذة المصححين تفاوت كبير في تصحيح و تقييم أوراق الامتحان بحيث من المتواتر أن طلابا مبرزين مشهود لهم من طرف طواقم التدريس و زملاء الدراسة بالكفاءة و المواظبة حصلوا علي معدلات متدنية بالباكلوريا مما لا يمكن تفسيره و تبريره إلا بِلاَمُبَالاَةِ بعض الأساتذة المصححين.

و الواقع أن القائمين حاليا  علي قطاعات التهذيب و التعليم و التكوين عموما و شأن الامتحانات و المسابقات خصوصا  هم  فى أيامنا هذه من أكثر أطر البلد كفاءة و أمانة و  مهنية وتضحية و أنهم بذلوا و يبذلون جهودا واضحة من أجل تصحيح الاختلالات آَتَتْ و تُؤْتِي بعض أُكُلِهَا و هو ما يشجعني علي اقتراح إجراء إصلاح عاجل  يتم بموجبه دمج " اللجنة الوطنية للمسابقات" و كافة الإدارات المكلفة بالامتحانات بمختلف قطاعات التعليم و التكوين المهني ابتغاء إنشاء "سلطة مستقلة عليا للامتحانات و المسابقات".

و يجدر أن ينَصَّ  فى اشتراط عضوية السلطة المستقلة العليا  للامتحانات و المسابقات تملُّكُ الكفاءة  و التجربة و الأمانة و "الورع المهني" و أن يُمنح أعضاؤها تحفيزات مالية   تعادل رواتب حكماء اللجنة المستقلة للانتخابات و  أن يُعهد لها بنظافة و طهارة الامتحانات و المسابقات و ترفيع جودة و مصداقية التعليم الوطني الابتدائي ، المتوسط ، الفني و العالي و مُدْخَلاَتِ الوظيفة العمومية.

———————————————
*مقالٌ نشر 20.17أُعيد نشره بتحيين خفيف.

أربعاء, 12/08/2020 - 09:46