عام على تولي قيس سعيّد السلطة.. خبراء وسياسيون يقيّمون أداء رئيس تونس

في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2019، استطاع المرشح قيس سعيّد اكتساح نتائج الانتخابات الرئاسية بتونس، ويكتسب -حسب مراقبين- شرعية شعبية لم يسبقه لها أي رئيس جمهورية بعد الثورة، وهو الخارج عن منظومة الأحزاب.

عام مضى على توليه رئاسة الجمهورية، التي وصفها بـ"الأمانة أمام الله والشعب والتاريخ"، وسط انقسام بين الأوساط السياسية والشعبية حول أدائه واحترامه الدستور، وإيفائه بوعوده خلال "حملته التفسيرية" التي رفع لها شعار "الشعب يريد".

 

استطلاع رأي
وأظهرت نتائج استطلاع رأي أجرته شركة "أمرود كونسيلتينغ" هذا الشهر أن قيس سعيد حافظ على ثقة 48% من التونسيين، متقدما على باقي الشخصيات السياسية، لكن -في المقابل- هذه الثقة وتقييم أدائه السياسي تراجعا 9 نقاط مقارنة بالشهر الماضي، بعد أن قدرت بـ56%.

مواقف قيس سعيد من قضايا محلية ودولية قبل اعتلائه سدة الحكم طرحها في أكثر من خطاب ظل راسخا في أذهان التونسيين، لا سيما خلال المناظرة التلفزيونية الشهيرة مع خصمه في الانتخابات الرئاسية رجل الأعمال نبيل القروي.

وسبق أن طرح سعيد في أكثر من مداخلة وجهة نظره الخاصة بالدور الاجتماعي المكفول للدولة تجاه أبنائها، وبأن تسترجع دورها في قطاعات حساسة كالصحة والتشغيل والتعليم، وبأنه آن للشعب أن يسترجع سيادته على أرضه وثرواته.

الرئيس وجدل التطبيع
القضية الفلسطينية كانت الحاضر الأبرز في تصريحات سعيد قبل اعتلائه الحكم، حيث صرح في أكثر من مناسبة بأن "التطبيع خيانة عظمى"، مشيرا -في المقابل- إلى ضرورة التفريق بين الصهاينة والشعب اليهودي.

وفجرت تصريحاته منذ أشهر، إبان استقباله الرئيس الفلسطيني على خلفية هرولة بعض الدول العربية، وفي مقدمتها الإمارات، للتطبيع مع إسرائيل- غضبا شعبيا بعد أن أكد أن هذه الدول حرة في اختياراتها أمام شعوبها ووجب احترام إرادتها.

 

 

سعيد وليبيا
الصراع بين الفرقاء الليبيين ودور تونس في إنهاء معاناة الشعب الليبي كان تحدث عنه سعيد خلال حملته الانتخابية، مؤكدا أن الحل لن يكون إلا "ليبي ليبي"، وأن تونس سيكون لها دور دبلوماسي بحكم القرب الجغرافي والتاريخ المشترك.

ومنذ أيام، أعلنت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز خلال لقائها مع الرئيس قيس سعيد عن احتضان تونس الشهر القادم الاجتماع المباشر الأول بين الفرقاء الليبيين.

وأكد الرئيس التونسي خلال اللقاء "ثوابت الموقف التونسي لحل الأزمة الليبية وفق مقاربة تقوم على وحدة ليبيا ورفض التدخلات الخارجية وإيجاد حل ليبي ليبي".

 

 

استعمار أم حماية
وأثار سعيد بعد اعتلائه السلطة جدلا بشأن موقفه من الاستعمار الفرنسي، حين أكد خلال زيارة رسمية لفرنسا -وفي لقاء إعلامي متلفز- أن ما عاشته تونس ليس استعمارا، بل حماية فرنسية.

وسبق أن طالب نواب في البرلمان الرئيس بتدارك ما وصفوه بـ"فضيحة" سقوط لائحة الاعتذار في البرلمان، التي غلبت عليها الحسابات السياسية، حيث دعت النائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو الرئيس لإنقاذ الموقف التونسي وكرامة التونسيين خلال لقائه مع ممثلي الدولة الفرنسية.

في الطريق الصحيح
ويرى الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي في تصريح للجزيرة نت أن حصيلة عام من اعتلاء الرئيس قيس سعيد مقاليد الحكم لا تعد كافية لتقييمه بشكل موضوعي ومنصف، لكنه أكد في المقابل أن الرئيس "يسير في الطريق الصحيح".

وأشار المغزاوي إلى أن سعيد كان ملتزما وفق ما وعد به سابقا باحترام الدستور واحترام القانون، رغم تواصل محاولات استهدافه وعزله سياسيا من أحزاب بعينها، وفق تعبيره.

وشدد على أن تونس لم يسبق لها أن شهدت صعود رجل نظيف اليدين ومتعفف عن السلطة كالرئيس قيس سعيد، مما أسهم في إعادة منسوب الثقة بين رجل الدولة والشعب.

ولفت إلى أن سعيد استطاع أن يكسر سياسة المحاور والأقطاب التي رسمت الدبلوماسية التونسية لسنوات، وأضرت صورتها واستقرارها في الداخل والخارج، حسب قوله.

 

 

خيبة أمل
ويقول القيادي بحركة النهضة محمد القوماني إنه أصيب بخيبة أمل كبرى بعد سنة من تولي قيس سعيد الحكم، لافتا إلى أن حزبه كان من الداعمين له، واعتبر صعوده إلى سدة الحكم ثورة ثانية على المنظومة القديمة وتصحيح مسار الثورة.

وأشار إلى أن الرئيس حاد في أدائه ومواقفه على دوره بالدستور كمجمع للتونسيين، وضامن لوحدة واستقرار البلاد، "ليتحول إلى عنصر تفرقة وموضع جدال حين دخل في صراع ومواجهة مع رئيس البرلمان ومع رئيس الحكومة.

واعتبر أن رئيس الجمهورية لم يكن وفيا لعهوده الانتخابية، إذ لم يقدم بعد سنة على رئاسة الجمهورية أي مبادرة تشريعية، لا سيما في ما يتعلق بمشاغل الشباب والطبقات الشعبية، "ولم يستوعب أنه بات داخل منظومة الدولة وليس في سباق انتخابي"، وفق قوله.

وسبق أن هاجم رئيس الجمهورية بشكل علني مؤسسة البرلمان ونواب الأحزاب خلال تواجده بإحدى الثكنات العسكرية، وهو ما اعتبره مراقبون دليلا آخر على موقفه الرافض للنظام السياسي شبه البرلماني الحالي، ورغبة جامحة في تغيير نظام الحكم.

وحذر القيادي في النهضة من ذهاب سعيد لاحتكار تأويل الدستور والذي ظهر جليا -وفق تعبيره- خلال مسار اختياره للشخصية الأقدر لتولي منصب رئيس الحكومة، وفي تعمده تهميش دور الأحزاب وتوازناتها داخل البرلمان.

وقال القوماني إن شعارات الرئيس التي رفعها خلال حملته الانتخابية تهاوت، سواء في ما يتعلق بموقفه من التطبيع الإماراتي الإسرائيلي أو في وصفه الاستعمار الفرنسي بالحماية.

 

 

وذكّر بموقف رئيس الجمهورية من حكومة الوفاق في ليبيا، والتي كادت أن تسبب أزمة دبلوماسية بين البلدين، حيث وصف شرعيتها بالمؤقتة، وحين دعا القبائل الليبية لوضع دستور شبيه بالدستور الأفغاني سنة 2002.

ويرى المحلل السياسي طارق الكحلاوي في حديثه للجزيرة نت أن الرئيس القادم من خارج منظومة الأحزاب سعى جاهدا طوال سنة من حكمه إلى التأقلم مع الوضع السياسي ومقتضيات الدستور، رغم عدم قناعته بعدم جدوى النظام السياسي الحالي.

وأشار إلى أن الرئيس استطاع أن يستغل الصراعات السياسية والتجاذبات الحاصلة بين الكتل الحزبية، التي أضرت صورة المؤسسة البرلمانية، لتدعيم وجهة نظره ورفع شعبيته.

ولفت -في المقابل- إلى أن قيس سعيد كان واضحا منذ إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية، إذ لم يقدم أي وعود انتخابية، بل طرح رؤى وتصورات على ضوء ما يريده الشعب، على حد قوله.

المصدر : الجزيرة

سبت, 17/10/2020 - 12:37