من يؤازر الأستاذ في محنة؟

محمد سالم ابن عمر

الأستاذ ربان سفينة النهوض والوعي والآخذ بيد المجتمع نحو آفاق التمدن والرقي والازدهار والنماء والإبداع...وهو المحارب لجحافل الجهل وجيوش التخلف والقاهر لها والمبيد للأفكار الرجعية الرامية لتكريس الظلم والاستبداد.
     لقد بذل الأستاذ قصارى جهده لنيل العلم والمعرفة والأخلاق الحميدة منذ أن كان صبيا غضا وحرص على التفوق والتميز والريادة طيلة مراحل دراسته فنال تقدير أسرته وزملائه ومعلميه،الذين استبشروا خيرا بعبقريته وتفرده،فوجهوه وأطروه وشجعوه وأشادوا بمهاراته وقدراته في أحاديثهم البينية وعلى الملإ...
    وحين تخرج من الجامعة وأراد أن يخدم وطنه وأن يرد الجميل إليه قرر أن يكون أستاذا فشارك في المسابقة ونجح متفوقا كعادته وقام بالتدريب اللازم،ثم أنه لما تخرج حول إلى مكان قصي فلم يتردد في الذهاب إليه فكل أرجاء الوطن بالنسبة إليه شام.
   لكنه وحين مارس التدريس فوجئ بتدهور قيمة الأستاذ المادية والمعنوية،إذ لم يعد يحاط بتلك القداسة التي عهده متمتعا بها.
    ورغم الظروف الصعبة وقلة ذات اليد وتدني مستويات التلاميذ وتداعي البنى التحتية واكتظاظ الفصول وانعدام الأمن داخل المدارس وأمامها وتخبط الطرق التربوية وبعدها عن خدمة هوية المجتمع وتجسيد قيمه،إلا أن الأستاذ لم يتوان عن القيام بمهامه على أكمل وجه.
    يتجشم الأستاذ كل صباح عناء السفر إلى مدرسته فيصعد في باصات أو سيارات أجرة تجوب به كل الطرق المتعرجة فلايصل إلا وقد أرهقه الإعياء وسيطرت على ذهنه صعوبة الإياب..في الوقت الذي يركب غيره من أطر الدولة ممن هم أقل منه علما وأوهن خدمة سيارات فارهة ويمنحون فاتورات بنزين سخية.
    يتقاضى الأستاذ راتبا شهريا متواضعا يحز في نفوس أولي الأمر الذين يحاولون دائما تعليقه أو خصم جزء منه في الوقت الذي يتقاضى أغلب عمال الدولة رواتب كبيرة دون أن يقدموا خدمة مقابلها،بل إنها تدعم بعلاوات وهبات،الواحدة منها تضاعف راتب الأستاذ مرات ومرات...فأين العدل وأين الوفاء؟ولماذا يعامل الأساتذة بهذا الكيل المطفف؟ولماذا يعاقبون ولا يجازون؟ولماذا يهانون ولا يكرمون؟ألا يستحقون العيش الكريم؟أليسوا السلم الذي صعد عليه الجندي والطبيب والمهندس والسياسي والاقتصادي...؟فلماذا يتنكر لهم الجميع؟ ولماذا يسامون الخسف والظلم دون أن يجدوا من يتعاطف معهم ويشفق لحالهم ويندى جبينه لواقعهم فيتحرك لنجدتهم وحمايتهم؟ أوليس منكم يا معشر الساسة رجل رشيد؟....
    سيل من الأسئلة والإستشكالات التي يطرحها حال المدرس وواقع التعليم،يصعب حصرها ولكن الأصعب كما يبدو هو التصدي لها،فمتى نجد هماما شجاعا مخلصا يجعلها أولوية ويطلع علينا بحلول جذرية لها؟
   

خميس, 05/11/2020 - 09:07