فكِّر،

محمد فال ولد بلال

في سبتمبر 2004 التقيت معالي الوزير "نوبوتاكا ماشيمورا"  Nobutaka Machimura، وزير خارجية اليابان سابقا مع وفد عربي من ثلاث دول في نيويورك .. وبعد الاجتماع وزع علينا هدايا ترمز لتقدم التكنولوجيا والصناعة في اليابان.. ساعة يد لأحد الزملاء و كاميرا جيب متطورة لآخر وجهاز تلفون لزميلنا الثالث. وأعطاني قطعة خشب صغيرة تحمل كلمة "think" بمعنى "فكِّر" .. ثم قال: هذا الشعار الذي بيد معالي الرئيس  فلان (لا أملي لكم شرا لم يستطع نطق بلاّل فصار يردّد بَلا بلاَ، انگولكم الخير) هذا الشعار هو "المفتاح" أو "كلمة السر" في كل ما حصل. إننا وصلنا إلى الساعة الألكترونية والكاميرا والهاتف الذكي انطلاقا من هذه التحفة الخشبية.. وكنت كلما قابلت أحد الزملاء في الفندق عرض علي التبادل و رفضت. وتحفة "think" موجودة الآن على طاولة بنتي مريم (صفاء) المديرة التجارية في شركة "مرسك" (mearsk) العالمية.
قلت في نفسي، سبحان الله العظيم. القرآن الكريم يحثنا في جميع سوره وتعاليمه على "التفكير" و"التفكر".. أفلا يتفكرون... أفلا يتدبرون... أفلا يذكرون... أفلا يعقلون، إلخ.. ونحن تركنا التفكير جانبا و جرينا وراء العاطفة والمشاعر .. وكنا نسمع ما يقوله المستعمر ساخرا مزدريا "إياك والتفكير و حذاري منه. إن الإفريقي عندما يفكر يرتكب حماقة"..
وهكذا تركنا التفكير وهجرناه فأخذته أمم أخرى وفازت بالنتيجة. علينا أن نفكر ونفكر ثم نفكر في حاضرنا ومستقبلنا.
إخوتي الكرام، شبابا وشيوخا، حكومة و مواطنين،
إن المجتمع اليوم يختلف اختلافا جوهريا عن مجتمع الأمس. اسمعوا و عُوا . كنا تعيش في مجتمع يعطي للتضامن و التآزر معنى. و من سماته التكامل والتعاون والتعاضد وتجميع الجهود والإمكانات مما يوفر للعاطلين عن العمل وغير القادرين سبل الحياة والعلاج بمساعدة الاغنياء وذوي المروءة من أبناء العمومة. كانت الخيّام مفتوحة والبيوت مفتوحة والأسرة قائمة والأهل والأقرباء والعشيرة  و الجار  موجودين.. يمكنك الدخول متى شئت على أي من معارفك وتأخذ أول دراعه أو قميص أو نعل يقع عليه بصرك لتسد به حاجتك. كما يمكنك تناول الغداء والعشاء والشاي والراحة والنوم، إلخ.. كان التعاون عنوانا بارزا يُعول عليه.
 اليوم لم يعد المجتمع هو ذاك المجتمع التشاركي والتضامني والمفتوح على بعضه البعض.. لقد تغيرت البنية والعقليات والممارسات ونمط الحياة وطبيعة الحاجيات. الأسرة آخذة في التفكك. والخيام زالت. والبيوت مغلقة أبوابها. والحياة تضاعفت كلفتها. والراتب الشهري مهما ارتفع لم يعد يكفي مؤونة صاحبه من طعام ولباس وماء وكهرباء وهاتف ورسوم مدرسية وباص ودواء ومغسلة وحلاقة، إلخ.. انظر من حولك. الناس كلهم محتاجين إلاّ ما رحم ربك. لا توجد طبقة وسطى ثابتة ومستقرة بالمعنى الصحيح في بلدنا مع الأسف. هناك ثلة قليلة من الميسورين وأغلبية ساحقة تكابد الحياة مثلك لعلها تتفاوت فقط في درجة التحمل والصبر والحياء والتستر على أحوالها.. 
أخلص إلى ما قلته صباح يوم أمس. "الّ ما احلب بيدُ ما يبياظ اخديدُ". انهض أنت أيها الشاب العظيم.. ساهم في صنع نجاحك بجهدك. ابحث عن المتاح ولا تستكبر.. الأسباب كثيرة لكنك لم تحرك زندها. ثق بنفسك  وانبذ الكسل والسلبية.. فكر ثم فكر ثم فكر واعمل وتحرك.. هز إليك بجذع النخلة.
وعلى الدولة من جهتها أن تخشى على نفسها وتبذل جهدا مضاعفا لخلق فرص العمل وإذكاء روح المبادرة الخاصة و زرع الأمل. وعليها أن تتأقلم مع الأوضاع الجديدة و تحل محل الأسرة والجماعة والعشيرة والأقربين.. عليها أن تتحمل ما كان من تكافل وتضامن اجتماعي بعد أن تراجع دور المجتمع والأسرة في امتصاص الصدمات وتخفيف عبء الحياة.. فلم تعد هناك دروع ولا متاريس مجتمعية تحول بينها وبين الناس وتساعدها على التهدئة والاستيعاب. 
 والسلام عليكم.

جمعة, 25/12/2020 - 10:58