ملف التحقيق البرلماني: من مرحلة الاشتباه إلى مرحلة الاتهام

محمد عبد الجليل الشيخ القاضي

شكل ملف التحقيق البرلماني أكبر موضوع راهني شغل الرأي العام الوطني بمختلف توجهاته السياسية ومستوياته التعليمية، وذلك باعتباره نمطا جديدا في حماية وصون المال العام وتتبع مختلف خيوط آليات تبديد الممتلكات العامة وارتكاب جرائم الفساد المالي بمختلف صنوفه وأشكاله ( اختلاس، غسل الأموال، رشوة، إخفاء عائدات الجرائم المالية..الخ).

تباينت الآراء في البداية  بشأن جدية النظام الحالي في المضي قدما في البت في هذا الملف حتى آخر مرحلة من مراحل التقاضي والتنفيذ، وتباينت كذلك في تقييم ما سلكه من خطوات إجرائية. لكن أكثر المواقف صوابية وموضوعية يرى بأن الملف شائك ومعقد ويحتاج البت فيه بعدالة التتبع حرفيا للمساطر الإجرائية المحددة قانونا، وهي مساطر تتسم ببطء معتاد في كل قضايا تشبه في تشعبها وحجمها قضية هذا الملف.

عموما حبس الرأي العام أنفاسه عدة أشهر في انتظار انتهاء التحقيق الابتدائي مع المشبه بهم ومعرفة طبيعة طلبات النيابة بعد توصلها بمحاضر التحقيق .

كان يوم الخميس (11 مارس) هو يوم نطق النيابة بعد صمتها لعدة شهور .

من الناحية القانونية والإجرائية أمام النيابة العام ثلاث خيارات بشأن التعامل مع المشمولين في التحقيق تبعا للوقائع المثبتة في المحاضر:

-الاتهام وإحالة الملفات مباشرة إلى قاضي الموضوع المختص؛

-الاتهام والإحالة إلى قاضي التحقيق من اجل تعميق التحقيق القضائي، وفي هذه الحالة إما ان تطلب إيداع المعنيين في السجن طيلة فترة التحقيق او تطلب فقط إخضاعهم للرقابة القضائية؛

-حفظ الدعوى.

من خلال حيثيات بيان النيابة العامة يلاحظ انها اعتمدت الخيارين الأخيرين ، اي الرقابة القضائية بحق أشخاص محددين بالأسماء وحفظ الدعوى بحق آخرين شملهم التحقيق.

ومهما يكن فلاشك أنه بإحالة الملف إلى قاضي التحقيق تم الانتقال من مرحلة أشخاص مشتبه بهم إلى مرحلة أشخاص متهمين، لكننا لم نصل بعد إلى المرحلة الأخيرة: الإدانة، فهذه ليست من اختصاص النيابة العامة، بالتالي مازالت قرينة البراء محتملة في حق هؤلاء المتهمين، كما ان هذه اللائحة ليست نهائية حيث مازال بإمكان قاضي التحقيق  إضافة أشخاص آخرين لم يكونوا من ضمن لائحة الأسماء المحالة إليه.

لكن السؤال الذي يدور في ذهن كثير من المتتبعين لمسار الملف يضع علامة استفهام حول دوافع اقتصار النيابة على طلب المراقبة القضائية بدل طلب الإحالة إلى السجن، وما مصير البقية التي كان من نصيبها حفظ الدعوى فهل حصلت على براءة مطلقة؟

من خلال استقراء حيثيات بيان النيابة يلاحظ انها عللت ضمنيا عدم طلب الإحالة إلى السجن بأن مدة الحبس الاحتياطي محددة قانونا بشكل حرفي وبالتالي اللجوء إلى هذا الخيار لا يتناسب مع قد تتطلبه إجراءات التحقيق في هذا الملف من وقت قد يطول نسبيا.

غير أنه يمكن تقديم قراءة أخرى تتمثل في أن اللجوء إلى خيار المراقبة القضائية له أبعاد ذات صلة بتشعب الملف، فقد تكون النيابة مازالت تعتبر حيثيات ذات صلة بقضايا الملف مظنة لإضافة عناصر جديدة تظهر مدى اتساع دائرة الفساد المالي وتعضد أدلة اتهاماتها للمتهمين، لكن انتظار استكمال تجميع مختلف تلك الحيثيات وسبرها سيأخذ وقتا قد يطول نسبيا مما لا يتلاءم وانتظارات الرأي العام الذي أصبحت الشكوك تراوده حول جدية الجهاز التنفيذي في البت في هذا الملف.

أما بخصوص حفظ الدعوى فلا يعني البراءة المطلقة؛ إذ لايمنع من تحريك مسطرة الحق المدني أمام قاضي التحقيق (طبقا لمقتضيات المادة 75 من ق.إ.ج)، حيث بإمكان ممثلي الدولة تقديم شكوى بحقهم أمام قاضي التحقيق.

عموما فقد كان يوم الخميس يوم مشهود في التجربة الموريتانية في تعقب خيوط التلاعب بالمال العام في انتظار استكمال المسار القضائي للملف ببراءة أو إدانة المتهمين.

لكنه ما من شك ان المراحل التي وصل إليها ملف التحقيق البرلماني حتى الآن يوضح اننا أمام نظام ينتهج أسلوبا جديدا جديا في تضييق الخناق على الفساد المالي، مع احترام كل الإجراءات والمساطر القضائية بدون صخب او بهرجة إعلامية.

سبت, 13/03/2021 - 14:20