كيف نعمل بالإسلام كما هو لننعم بذلك في الدنيا ونسعد به في الآخرة ( الحلقة الرابعة من هذا العنوان)

محمدّو بن البار

هذه الحلقات ما زالت تتكلم في قضية الإنسان الذي هو موضوع الإسلام ولاسيما في الآخرة.
وقد تكلمنا علي بعض حقائق الإنسان عند الله فقلنا في الحلقات الماضية أن هناك حقائق عند الله للإنسان يجتمع فيها الإنسان كل الإنسان مهما كان سواء كان نبيا أو صالحا إلي آخره، ونعود إلي بعضها هنا لنركزها في الأذهان لأن عدم اعتقادها من أعظم ما يكب الناس علي وجوههم في النار يوم القيامة، فدائما يحاول فيها الإنسان أن يجعل لبعضه بعضا من خصائص الله التي لا يشاركه فيها إنس ولا جان.
ومن هذه الحقائق عدم قدرة الإنسان علي خلق أي شيء من العدم إلي الوجود، ومن هنا عجز الإنسان عن جلب أي نفع أو ضر لغيره، ومنها عدم معرفة أي شيء عن الغيبيات إلا من بعد أن يخبر الله به خاصيته من الإنسان أو الملائكة، وهذا كله مع أنها نصوص محكمة في القرآن إلا أنها لخطورة اعتقاد عكسها علي الإنسان، استطاع الشيطان أن يقذفها في قلوب بعض الإنسان ليهلكه بها وليصدق بها ظنه في الإنسان وهو اتباعه له في كل ما يهلكه به كما قال تعالي : {{ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين}}.
أما في هذه الحلقة فسوف نضيف حقائق أخرى عند الله للإنسان لا قدرة للإنسان علي تجاوزها.
من هذه الحقائق اقتصار دنياه كلها علي مدة حياته التي غائب عنه مدتها ولا يعرف متى تنتهي فجأة عند أي عمر له، ويتيقن أنه عندما يتجاوز السبعين يبدأ في أرذل العمر بمعني انسحابه من العمل الفعال في الدنيا إجباريا، فهو قبل ميلاده لا وجود له في الدنيا وبعد مماته أصبح في أول منزل من منازل الآخرة بمعني أن جميع دنياه هو ما بين ميلاده ومماته.
ومن هذه الحقائق أن أي شخص بعد مماته لا يمكنه أن يلتقي مع أي شخص آخر لأن الإنسان لا حقيقة له فاعلة دون روحه، والروح التي أرسل الله ملائكته لزرعها في الإنسان وهو في بطن أمه ستعود إلي ربها بمجرد موته مهما كان هذا الشخص فلا نسب ولا قرابة ولا خصوصية لأي شخص مع الله يستثني بها من هذه الحقيقة، يقول الله تعالي : {{ قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلي ربكم ترجعون}}، إلا أنه إذا كان هذا الإنسان ممن توفاه الله ونفسه طيبة ستذهب إلي مكان النزل الذي أعده الله للمصطفين الأخيار من عباده كما قال تعالي : {{وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم}}، ويقول تعالي : {{ إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا}}، وفعل " كانت " الماضي تعني أن أصحاب الأعمال الصالحة الخالصة لله وحده بعد موتهم يصبحون من يوم موتهم وهم في ضيافة الله إلي ما لا نهاية لقوله تعالي : {{ إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا}}، وأي شخص لا يرضي الله عن أعماله فهو ضائع أي هالك من ساعة موته إلي ما لا نهاية لقوله صلي الله  عليه وسلم : (( القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار )).
ومن هنا نلفت انتباه جميع الإنسانية التي تدرك جيدا عدم اختيارها لوجودها في الدنيا أو عدم وجودها أنها لا تستطيع التصرف أو لم يؤذن لها في التصرف في نفسها ولا في غيرها في هذه الدنيا ولا بعد موتها ، فأي معلومات سواء كانت شفهية أو مكتوبة لا أصل لها في القرآن أو أوحي الله بها وحيا خاصا لقوله صلي الله عليه وسلم : (( لقد أوتيت القرآن ومثله معه))، وتزكية الله لجميع ما ينطق به لقوله تعالي عنه أنه لا ينطق عن الهوي ولكن بشرط أن يصح عنه صحة بأعلي ما استنتجه علماء الحديث من صحة نسبة الحديث إليه صلي الله عليه وسلم.
أما غير ذلك فإنه يعد من وحي الشيطان كما قال تعالي : {{وإن الشياطين ليوحون إلي أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}}.
فبما أن ذات الله لا تدركها الأبصار حتى يمكن تشبيهها بأي شيء كما بين المولي ذلك في قوله تعالي : {{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}} فإن ما وراء الغيب في حياة الإنسان وما بعد موته لا يقع فيه إلا ما جاء في النصوص القرآنية والآحاديث الصحيحة كما قال تعالي : {{لا يبدل القول لدي}} وكما قال تعالي :{{من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا}}، والفاعل فيما بعد الموت هو ملائكة الله وحدهم بأوامر من الله وحده، وهذا ينص القرآن عليه في قوله تعالي : {{وكنتم أمواتا فأحياكم ثن يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون}} كل هذه المراحل لا دخل للإنسان فيها.
فمن تأمل قليلا واستعمل ذهنه وعقله ونظر إلي أنواع أهل الأرض الآن وغدا وما يخوضون فيه من مشاكل وما تنادي به أفكارهم في عالم الدنيا فرادي وجماعات مع أنهم ما بينهم مع الوصول إلي نهايتهم النهائية ومصيرهم المحتوم المسجل في القرآن ويقرأ عليهم آناء الليل وأطراف النهار في قوله تعالي : {{ ويوم تقوم الساعة يومئذ يبلس المجرمون ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين}}، فمن تأمل ذلك هذا يدرك أن هناك يد خفية تحاول تسيير هذا الإنسان علي غير الطريق المستقيم بكل الوسائل تارة عن طريق تتبع فعل الآباء وتارة استنتاج الطرق للسير عليها خارجة عن أي دليل منصوص في الإسلام بوحييه القرآني والسني، وفي نفس الوقت تكون النفس مشدودة إلي تنفيذ ذلك الخارج عن الطريق المستقيم، أما من تحمل مسؤولية هذا التوجيه الخاطئ  للإنسان أمام الله جل جلاله فهو الشيطان وسوف يكون موضوع المقال الآتي بإذن الله كما قال الله تعالي علي لسان الشيطان: {{ لأقعدن لهم صراطك المستقيم}}.

 

أحد, 09/05/2021 - 14:30