للإصلاح كلمة توضح أسباب الانفلات الأمني المذكور في الساحة الوطنية (الحلقة الثانية)

محمدّو بن البار

كلمة الإصلاح توقفت في عددها الأول عند ذكر المعجزة السلبية الخاصة بموريتانيا وهي وجود رائد من الجيش الموريتاني مديرا جهويا للمرور في العاصمة وذكرت كلمة الإصلاح أن هذه الظاهرة الفريدة في العالم سببها هو انفلات الدولة عن الأمن وليس العكس.
كما تقدم في شرح قضية عموم الأمن في الدولة أن الدول أسندت أمن جميع ميادينها في الحضر إلي هيئة تسمي الشرطة، وهذه الميادين هي التي ترتكز عليها الدولة، ومعروفة لدي الجميع، وتجمع جميع مصالح الدولة واهتماماتها، وذكرنا في الجزء الأول من المقال أن هذه الميادين كانت تسير مع الدولة سيرا رائدا وموزونا – وساعد في ذلك أولا قلة الإجرام مع حسن السلوك العام في جميع الشرائح الموريتانية – وما إن وقع الانقلاب الأول الذي أصبحنا فيه تحت القيادة العسكرية حتى بدأت الدولة من جهة تتوسع وتتعقد علاقاتها مع الخارج وفي نفس الوقت يقودها رجال عسكريون لا يتقنون إلا مهنتهم – ولكن نفعهم وجود الطبيعة الموريتانية السليمة المهادنة فظلت تتحكم في سلوكهم من ما أخر انفلات الدولة عن الأمن بوجود تشاور بين القادة العسكريين أنفسهم وما أضافوا لذلك من مخالطتهم المدنيين السياسيين – ولكن ما إن وصلنا إلي العشرية الأخيرة من حكم معاوية ووقعت محاولة الانقلاب الجهنمي التي نجي الله موريتانيا من نية أهلها حتى قام الرئيس آنذاك بالتخلي نهائيا عن النظام العالمي الدولي الذي تسير عليه الدول من خصوصية الأمن والاقتصاد وتفريق مجتمع كل يعمل علي شاكلته.
فبعد تلك المحاولة وما وقع فيها من تجاوز في معاملة البرءاء من قومية مرتكبيها وتسفيرهم وأخذ ممتلكاتهم من ما يتبرأ الإسلام منه ومن فاعله، ومن آثاره أنه عندما وصلت الشكوى منه إلي دول العالم ووقع حدث 11 سبتمبر في آمريكا ارتعدت فرائص السلطة هنا – ومن أخطر ما فعلت لإرضاء الرأي العالمي هو إنشاء الديمقراطية الفوضوية العسكرية وبها انتهي الجيش والأمن والاستثمار وجميع أنواع الاقتصاد حتى أصبح الرجل كثير الأصوات هو المناسب في المكان المناسب.
فلم تبق هناك أصول أمنية، فقائد الأمن ذلك وهو المرحوم اعل بن محمد فال رجل مسالم بطبعه لا يحب أن يجرح شعور أي أحد ولم يفعل, ولكن مقابل ذلك لا يقف أمام أي تصرف ولاسيما إذا صدر من الرئيس أو أمر به، فلم يتلق لإصلاح أي فساد أو تقصير وقع في تلك الحقبة، فترك الرئيس آنذاك وأوامره فلم يقم بالاخبار بأي حالة ولو سيئة عن أي قطاع.
وهكذا انتهت مراقبة الأمن لكل الميادين، لأن الحاكم أصبح الميدان السياسي المنافق الموجه لا غير، وتقاسم أهله كرامة الدولة وإهمالها واستثمارها إلي آخره.
فبينما نحن كذلك إذ وقع الانقلاب وجاء الرئيس السابق ، وبدلا من محاولة بناء الدولة من جديد بإرساء قواعدها الأمنية وبناء اقتصادها عن علم وإحياء الاستثمار فقد ظن لما تحمل نفسه من الشجاعة الشخصية غير الموجهة من ما جعله يظن أنه يمكن أن يبني موريتانيا كلها وحده علي غير أساس علمي دولي، ومع أنني من ضحايا تصرفه إلا أنني بمتابعة إنجازه نشهد أنه أنجز لموريتانيا كثيرا من الانجازات المادية والمعنوية العملاقة ما لم ينجزه أي رئيس في نظري، وبما أن هذا الانجاز جاء مرتجلا ومن غير تخطيط للأولويات وبعنجهية لا تري لغيرها في الرأي مكانا أسفر ذلك عن ما يلي:
أولا : قام بالانقلاب وهو يكره هيئة الأمن الشرطي خاصة كره الواقف دون المصلحة الشخصية فحذف خدمتهم للوطن من برنامجه وشمل ذلك الكره الإدارة الإقليمية كلها حتى وصل إلي وزارة الداخلية، فلم يهتم به في الدولة إلا الجيش بما فيها الدرك بمعني وزارة الدفاع وكان من أثر ذلك هو خلق هيئة التجمع التي قطع لها من مهام الشرطة أهم الأمن العمومي وهو مراقبة المرور الذي يفعل ويخطط به للإجرام حتى قسم مراقبة الأمن الليلي في العاصمة علي جميع القطاعات، فمن لم يعرف مكان الإجرام في الليل فسوف لا يعرفه في النهار، فالدول تحمل الشرطة جميع الأمن في الولاية، فإذا كان رجال الأمن لا يمكنهم الأمن لقلتهم تجعل تحت تصرفهم من القوة الأخرى العمومية أولا، حتى تصل إلي الجيش، ولكن يظل الأمن هو المسؤول لأن جميع القطاعات العسكرية أو شبه العسكرية تعاونهم مع الأمن مثل تعاون أجزاء الجسد في الرأس، فلا شيء أكثر تقاربا من السمع والبصر في الرأس ولا يقوم أحدهما بعمل الآخر وتعاونهما لا يتضمن التبعية المطلقة ولكن صاحب الاختصاص هو الذي يقود العمل إلي النهاية.
هذا الفكر هو الذي لم ينتبه له الرئيس السابق فأكثر في خلق أسباب الأمن من أحزاب ومعارضة ومجتمع مدني إلي آخره، وبدأ في تحطيم رجال الأمن والإدارة الإقييمية إلي آخره، فمن زار مدرسة الشرطة ورأي جميع سلك الشرطة من مفوضين وضباط يتدربون جميع أنواع التدريب وقد ابتني فوق رؤوسهم أبراج كأنها للمراقبة عليهم، وذلك بعد بيع جنوب المدرسة الذي تحته أخاديد للتدريب غلي الرماية في مكان آمن، ومن المعلوم أن مدرسة الشرطة هي مكان الحراسة النظرية عند الشرطة ولاسيما للسياسيين فلا يمكن الآن الاستماع لهم إلا تحت سمع وبصر أصحاب الأبراج التجارية الموجودين فوق رؤوس ساكني والعاملين في المدرسة فهذه الحالة تحتم أن ترحل الأبراج أو المدرسة بعضهم عن بعض.
فمن شاهد هذا المنظر فسوف يدرك أن الرئيس السابق كان يكره هذه الهيئة كرها لا يمكن معه إصلاح أمن ولا مراقبة الأمن للميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلي آخره، فلولا أن محاضر الشرطة تقع مسؤوليتها علي وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق كل في اختصاصه لما جاز للشرطة الاستماع للرئيس السابق لما فعل هو من العداوة لهم والمسكوت عن فعله فيهم كثير.
ولذا فقد الأمن من يتحمل مسؤوليته بداية من رجاله المدنيين رجال وزارة الداخلية الإداريين إلي رجاله شبه العسكريين من شرطيين وغيرهم.
فالسياسي يقول كما يشاء، والشرائك والأسواق تعمل ما تشاء، والمجتمع المدني يتصرف كما يشاء والثقافة والصحة لا رقابة أمنية علي سلوكها ولذا نزل التعليم إلي الحضيض، وهكذا تتخلي الدولة عن أصول تأسيسها لجميع الميادين ومراعاة القوانين التي تحكمها بصرامة تكون الدولة هي التي انفلتت عن الأمن وتركته لا مسؤولية مباشرة خاصة لأحد عنه.
وفي الحلقة القادمة سيكون فيها ما طرأ عليه ومتي طرأ عليه وما يجب أن يطرأ عليه – والحمد لله أولا وأخيرا.

 

سبت, 29/05/2021 - 13:47