الشائعات تلحق الضرر بالاقتصاد والمجتمع

محمد طالب بوبكر

أن الوعي والالتزام والإخلاص للوطن، وتحمل المسؤولية الوطنية، هو السلاح الحقيقي في مواجهة الشائعات والقضاء عليها، تمثل سموم المجتمعات القاتلة.

نرى في الوقت الراهن، الجهات المروجة للشائعات، تستغل مواقع التواصل الاجتماعي، نظراً لسهولة الوصول من خلالها إلى عقول الناس، مع عدم وجود الطرف المخول بالرد على شائعة معينة، ما يزيد من مخاطر الشائعات، وقدرتها على النفاذ لتهديد المجتمع، وتدمير لحمته الاجتماعية، أو تقويض تطوره، وإحباط مشاريعه النهضوية.

أمام الأخطار الكثيرة التي تشكلها الشائعات، قد يسأل سائل، ولكن كيف يمكننا مواجهة الشائعات، والتصدي للمخاطر التي تحملها ؟، والواقع أن الإجابة عن هذا السؤال المنطقي، تكمن أولاً وأخيراً، في أهمية زيادة الوعي المجتمعي، ونشر روح الثقافة والمعرفة بين الناس، لتعويد العقول على المحاكمة.

هنا يأتى دور الحكومة، فيجب الاستعانة بالسلاح المضاد للتغلب على تلك الشائعات التى تستهدف أمن الوطن، لذلك لابد من وضع خطة لكيفية مواجهة الشائعات.

أولًا :يجب نسف فكرة الاعتماد على مدرسة العلاقات العامة القديمة التى كانت تنصح بعدم الالتفات للشائعات وترك الأمور حتى تنتهى لوحدها بمرور الوقت، فهذا لا يتماشى مع مجتمعنا حاليًا، فيجب ألا نتجاهل الشائعات، ولابد من التواصل المستمر مع المواطنين، لأن الرد الحاسم والقاطع هو خير علاج لهذه الأزمة.

 

ثانيا: الإعلام عليه مسؤولية كبيرة للتصدى لتلك الظاهرة، فيجب على القنوات الفضائية والصحف ألا تجرى خلف الشائعات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى، لأنه للأسف يوجد البعض منا من يأخذ معلوماته وأخباره من الفيس بوك وتويتر قبل أن يمنح لنفسه فرصة التواصل مع المصادر للتأكد من صحة المعلومات من عدمه، وهنا يجب أن يكون هناك حذر شديد، فيجب أن يعى الإعلاميون دورهم جيدا، فإذا ظهرت قضية ما أثارت جدلا كبيرا أمام الرأى العام فلابد من النزول إلى مكان الواقعة للتحقق، فمثلاً إذا كانت الشائعة تخص الشأن السياسى أو الاقتصادى أو الرياضى أو الفنى، يجب نشر التحقيقات الميدانية المصورة أو الحوارات وغيرها لكشف الحقائق.

وعدم الانجرار وراء الشائعات بطريقة لا واعية، ولا بد لقيام الدول بكافة أجهزتها، لا سيما الإعلامية، بوضع الخطط اللازمة والكفيلة لمواجهة الإشاعات، أو أزماتها، على الصعيدين الوقائي والعلاجي، على أن تعطى الإجراءات الوقائية، البعد الرئيس ثقافياً وإعلامياً وسياسياً، ومنها:

 

تعويد الناس على تحليل الأخبار تحليلاً منطقياً، يعتمد على الموضوعية، وذلك من خلال عقد الندوات التوعويـّة، واستثمار وسائل الإعلام المكتوبة والمقروءة والمرئية والتكنولوجية بأنواعها، من أجل هذه الغاية، كذلك بقاء القيادات السياسية على اتصال مع الجماهير، لبناء حالة من الثقة والمصداقية بينهما.

ولا بد هنا من الإشارة إلى أهمية التـدرب على الهدوء عند استقبال أي خبر، وإخضاعه للتمحيص والتدقيق، ومعـرفة مصدره، وعـدم ترداده، لكن أهم المقومات في مواجهة الشائعات، هو استدامة الاعتزاز بالوطن، ومحبته، والاستعداد للدفاع عنه، تحت أي ظرف، والاعتزاز بالموروث الثقافـي والحضري والتاريخي الوطني والقومي للمجتمع.

 

بالإضافة إلى أهمية الإيمان والثقة بالبلاغات الرسمية، والإعلام الوطني، وما يتم تداوله، ورصد الأخبار من القنوات الخارجية، والتي قد تروج الأكاذيب.

أن الإشاعات تعد الوسيلة الأخطر لخرق وحدة المجتمع، وحل الروابط الوجدانية بين الأسرة، ونظراً لمخاطر الشائعات الكاذبة، نرى أن الدين الإسلامي الحنيف، قد أكد على ضرورة الوعي في التعامل مع الشائعات والأخبار الكاذبة، في قول الله تعالى:

(يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا...)، فجعل الله مَنْ نقل الخبر دون تثبت، من الفاسقين. فمجرد نقل الأخبار دون التأكد من صحتها، موجب للفسق، فالعاقل يعلم أنه ليس كل ما يُسمع يقال.

أن الإشاعة هي كل خبر مجهول المصدر، وليس هناك دليل واضح على صحته، ولكن يحتمل الصدق، وأنه قابل للتصديق، ولو دققنا في الشائعات، لوجدنا أن هناك حسب الكثير من الباحثين والمتخصصين، العديد من أنواع الشائعات، من حيث الزمن، هي: «الشائعة العنيفة»، أي الشائعة التي تنتشر بين الناس بسرعة كبيرة.

وهذا النوع من الشائعات، عادة ما يكون قاسياً في موضوع الخبر الذي يبنى عليه، والذي يتعلق في أغلب الأحيان بحياة ومصالح البشر مباشرة.

وهذا النوع من الشائعات، يغطي مجموعات كبيرة جداً في وقت بالغ القصر، وهي تنتقل كالنار في الهشيم، ومن نمط هذا النوع من الشائعات، تلك التي تروج عن الحوادث والكوارث، أو عن الانتصارات الباهرة أو الهزيمة في زمن الحرب، وغالباً ما تستند إلى العواطف، مثل الذعر، والغضب، والسرور.

و«الشائعة الزاحفة»، أي الإشاعة التي تنتشر بين الناس ببـــطء، ويتناقلها الناس همساً وبسرية تامة، ليعرفها الجميع فجأة، ونلاحظ أن الإشاعة الزاحفة، تحتوي في معظم الأحيان على قصص مختلقة، تحاول نشر العدائية وخطابات الكراهية، التي توجه في المجتمع، أو ضد رجال الحكومة والمسؤولين، لمحاولة تشويه سمعتهم، والإساءة إلى الحكومات، وكذلك القصص الكاذبة، التي لا أساس لها من الصحة، وتروج لعرقلة تطور المجتمعات.

وهناك أيضاً «الشائعات الغائصة»، وهي التي تنتشر بسرعة في البداية، ثم تغرق تحت السطح، لتظهر مرة أخرى، عندما تتهيأ لها الظروف بالظهور، أي أنها قد تكون متعددة الظهور والاختفاء، تنشرها جهات معادية، لتحقيق أهداف معينة في ظروف معينة.

الحقيقة أن هناك أهدافاً كثيرة يسعى عبرها مروجو الإشاعات لتحقيقها، ومن هذه الأهداف، إثارة الخوف والقلق في المجتمع في حالة السلم، وزعزعة ثقة الناس في حالات الحرب، وهي غالباً ما تضع أفراد المجتمع في حالة من الفوضى، والتوقعات المختلفة والمتناقضة، والترقب، وكثرة التحليلات الخاطئة، لا سيما أن أخبار الشائعات الكاذبة، تعتمد على بث الحيـرة والدهشــة والتساؤل والقلق.

ولكن لو تساءلنا عن أسباب انتشار الشائعات، نرى أن أهم عوامل الانتشار، هي غموض الخبر الذي تقوم عليه الشائعة، وأهميته بالنسبة للناس، ناهيك أيضاً عن التوقيت الذي تحدث فيه هذه الشائعة.

والحالة النفسية للمجتمع، والاستعداد لتقبل الشائعة، وقوة أو ضعف الانتماء إلى الوطن، أي أن مروجي الشائعات، يهتمون في معظم الأحيان، بدراسة المجتمعات التي يستهدفونها، ويطلقون شائعاتهم، استناداً إلى الثغرات التي يمكن إيجادها في هذا المجتمع.

ليس هناك مجتمع محصن من الشائعات، لكن نلاحظ أن الشائعات عادة ما تنتشر بصورة أكبر في المُجتمعات غير المُتعلمة، أو غير الواعية، وذلك لسهولة انطلاء الأكاذيب على أفراد المجتمع، لعدم قدرتهم على البحث المنطقي والعلمي عن مصدر دقيق أو مسؤول، لتأكيد هذه المعلومة أو تلك، يضاف إلى ذلك، انعدام المعلومات التي توفرها وسائل الإعلام المحلية، لسبب أو لآخر، أو وجود تعتيم إعلامي مقصود.

اللهم احفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن».

اثنين, 07/06/2021 - 17:22