أجساد تنتعل ألسنتها لـ تصل تتجاوز حدود الكرامة

نوال عايد الفاعوري

يعرف الطغاة جيداً كيف يُمكن لهم استخدام أنبل الوسائل في أقذر الغايات، والعكس كذلك. لا مشكلة لدى هؤلاء أن يصلوا إلى أهدافهم، مهما كانت الطريقة، الوسيلة، والأدوات المساعدة لذلك. الكذب، النصب ، ثم الخداع لكل الحمقى الذين يحنون ظهورهم ليصعد الفرعون إلى الأعلى أكثر؛ ثلاثية لا تُخطؤها عين طاغية غزير الشعر حليق الضمير، والإنسانية!
في لحظات العبودية الممتهنة، تلك التي يورّثها الوضيع إلى من بعده، يجدُ السيد عبدَه أكثر طاعة مما يجب، لا يقوم بالأعمال المكلّف بها فقط، بل يتطوع من تلقاء نفسه بأكثر مما يتوقع سيده. لا يكافئه، ولا يهتم العبد بذلك، لأنه يجد أن كل ما يقوم به له مسمّيات أخرى تُريح ضميره الميت. يتعلم الطغاة من هؤلاء تَعبيد الناس لهم، ويمنحونهم بعض القُربى المزيّفة، كما يفعل الشيطان بابن آدم حين يتعلمُ منه ما يُغوي به الآخرين، ثم يجعلُه قريباً منه في جهنم، حيث القصاص.
الإمامُ، يختطف المنبر الذي ما قال في التاريخ إلا الحق ليقول منه الباطل. يُخبر الناس يوم الجمعة حول طاعه الحاكم ( ولو جلد ظهرك و سرق مالك )
لأن الدين هو الوسيلة الشريفة الوحيدة التي يستخدمونها لأجل غاياتهم القذرة. أيها العِلْجُ المُلتحي: إن الأرض لله، يورثها من يشاء من عباده، واللهُ يعطي الدنيا لمن أحبّ ولمن لا يحب، ولكنه أقسم بعزته وجلاله أن سينصر المظلوم ولو بعد حين
حرّم العدلُ الظلمَ على نفسه، وجعلتموه بين الناس فرضاً. أيها الزنديق: ما فائدة أن تعِظ الناس قبيل الصلاة بسد الفُرج كي لا يأتي منها الشيطان إلى قلوبهم، وإبليس هو الذي يؤمّهم في المحراب!
الكائن المثقف،صاحب أكبر مكتبة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يهمّك ما قاله نيتشه، غوته، راسيل، وشلّة الحمقى الذين تنظّر على الناس بأحفوراتهم التي تعتبرها حِكماً كالتي تشبه حافرك، وتحفظ كثيراً من قصاصات الروايات ومواعظ الثقافة الديكورية! ثرثار، كمذياعٍ من أيام الستينات، أحمق، تظن نفسك “أبو العرّيف” وأنتَ لا تنفك تستعين بالشيخ جوجل لإثبات أنك ذو ياقة طويلة تمنع الناس من رؤية قفاك الأصلع. المثقفُ، أيها المرتَزق الفكري، هو النّد، هو الضد الذي اعتبره ذوو الحرية يوماً «سلطة رابعة» يُمكنها إسقاط السلطات الثلاث، كُفّ هراءك عن الورق الذي لا ذنب له سوى أن أحمقاً مثلك قطع شجرةً في غابات الأمازون ليصنع لكَ ورقاً تخربش عليه إسقاطاتك الفكرية، تلك التي لا تهمّ أحداً سواك أنتَ وسيجارتك التي تلعنك. في مكان ما كان المثقفون طليعة ثورة، ورفاق الحرية، وفي مكان قذر كالذي أنتَ فيه تجتمع مع رفاقك في ذات المزبلة الفكرية التي تحسبها جنّة لأنك لا تعرف غيرها وطناً.
النخبة، بائعو الوهم، منتفخو الريش، كديكٍ يصيح فقط حين ينتهك أحداً “خُم” دجاجاته التي يعتبر أن مصيرها الذبح في النهاية، لا هو دافع عنها ولا منع عنها الذبح. المهم أن تبقوا ديوكاً “تمعط” الحكومة أُذن أحدكم، ليصمت. وهْمُ الصفوة، الذي جعلكم تنغلقون على أنفسكم وتصعدون جبلاً ترون منه الناس صغاراً، لا يدوم ، يا حضرات الأشياء الجامدة. مطية الحكومات أنتم وإكسسوارها اللازم حين يكون حِراككم على ناصية ورشة عمل، ندوة فكرية، مؤتمر للكذب، أو ملتقى مخملي. مستلزمات تجميلية تافهة لوجوهكم/برستيجكم ككومة الأشياء التي تتجادلون فيها كل مساء على نواصي مقاهيكم التي لا يرتادها أحد إلا السفلة ببزاتهم الأنيقة وكلامهم الممجوج. ذات الجبل الذي ترون منه الناس بالمجهر، يراكم الناس عليه كذلك. معادلة الحياة، ولعنة البساطة التي تلاحقكم.
الشاعر السمج، يكتب عن الحب والخيال ومرثيات الوجع المدفون في قلبه إثر محادثة هاتفية أخيرة. لا يكون الشاعر شاعراً حين تصطف الأبيات بجانب بعضها لتشكّل هلاماً اسمه قصيدة. البنّاء يفعل أكثر من ذلك بالمدن، ويموت الناس داخل البيوت ولا يدري عنهم أحد! وحدها القصائد التي لا ترضى عنها الحكومة هي التي يحفظها الناس كنشيدٍ عميق يجلس معهم على موائد الطعام البسيطة، يقتات من وجعهم .
الناشط الأعور، تحسّس جيداً عينك الأخرى، لا تكن أعمى باختيارك، وتوقف عن الكربلائيات السمجة لأن نُواحك يشبه كثيراً ما يفعلْنَه النّسوة المستأجرات في بيوت العزاء. نصفُ الكذب الذي تُخبر الناس به ليس صدقاً، وإن أوهموك بعكس ذلك أيها المقاتل الإنترنتي الكاذب!
الكاتب/الصحفي اللزج، تُخبر الجميع أن المشكلة في كل شيء، إلا أولئك الذين يسلم قلمك منهم. في هوامش الحرية لدى الطغاة العرب، كان لزملائك من مُتعهدي حبر الحكومة الرضا وبعض الغضب، وبقية حبرٍ يكتبون فيه في اليوم الثاني. حين تحاول قولبة الحقيقة وفق مزاجات الذين تعمل لديهم  تأكد تماماً من أنّ الحقيقة تأتي دوماً عارية، وأن مهمتك التي أوكلوها لك هي “تغطيتها” صحفياً/إخبارياً!
العبيد الأنيقون، ذوي نظرية «الله يولّيها للصالح»، الساكت عن الظلم ، المتحسس مكان قلمه حين يريد أن يكتب شيئاً يُرضي الجميع ولا يغضب أحداً إلا الله. السير بجانب حقول الألغام التي تزعم أنك ماهرٌ في اجتيازها هو المرادف العصري للسُّخرة التي كان أجدادك يعملون فيها. الدعاء الصاعد إلى الله بتولية الصالح، المحفوفٌ بالخوف والحياد الكاذب، لا يتقبّله الله، لأنه حين ولدتكَ أمك خلقَك حُراً، واخترتَ العبودية لغيرِه، وما كان لعبدٍ يخدم غيرَ سيدِه أن يسأل سيده، فيُجيبَه! الخوفُ يسكنكم أولَ حياتكم، وآخرها، وكل جسدٍ عاش على خوف، فالحتفُ أولى به.
أما بعد،
فإن الكاذبين الرسميين كُثر. كل أولئك الذين تزوجتْهُم الحكومة متعةً، ويرون فيها امرأة صالحة، إن كرهوا منها خلقاً أحبّوا آخر، لا يعلمون أنها ستكفر بهم كُفران العشير، كغيرهم. تذكروا جيداً الإمام، الكائن المثقف، النخبة التافهة، الشاعر المستأجر، الناشط الأعور، الكتاب والصحفيون اللزجون، العبيد الأنيقون . تذكروا كل هؤلاء بأسمائهم وعناوينهم، وغيرهم، من بقية أنواع المُرتزقة المتلونين حسب الغابة التي يعيشون فيها. كُلّهم، بلا استثناء، شُركاء الحكومة تذكروا أيضاً أن القصاص من كل هؤلاء واجب، والقصاص يأخذ من التاريخ درسه الأزلي أن هؤلاء يستحقون أقسى العقوبات.
أما عن الحكومة ذاتها، شبّيحتها، مُرتزقتها، وغِلْمانها الأوفياء، فلن أقول عنها وعنهم أي شيء، بل يقول لهم «خوان رولفو» في رائعته «بيدرو بارامو»: لقد تمردنا ضد الحكومة وضدكم لأننا سئمنا تحكمكم بنا. الحكومة لأنها سافلة، وأنتم لأنكم لستم إلا جماعة من الأوغاد الشرهين اللصوص المترهلين بالدهن.

سبت, 10/07/2021 - 15:28