بيتا… بيت القضية

بسام ابو شريف

عندما وصلت الى بيتا ورحنا نبحث عن الطريق المؤدية الى جبل صبيح ، والتي تمر بمنتزه بيتا ، وهو منتزه كبير على الطبيعة لعائلات بيتا ويطل على هذا المنتزه جبل صبيح ، الجبل القمة العالية التي لا تشرف فقط على هذا المنتزه وبلدة بيتا بل هي التي التي تشرف على كل الطرق الاستراتيجية التي تؤدي الى شمال الضفة الغربية سواء من الأغوار او من وسط فلسطين.
عندما وصلت الى تلك النقطة الحساسة أي خط الاشتباك مع المستوطنيين كان هنالك تجمع لشباب وفتيان وصبية ، اثاروا في عقلي واحساسي شعوراً غاب عني منذ زمن طويل ، كان ذلك الشعور الذي غمرني عندما حشدت انا وأصدقائي عشرات من الشباب اللبناني الفلسطيني الثانوي الجامعي وحتى الابتدائي في قصر الشقيري في بلدة كيخون في جبل لبنان لنستخدم حديقة القصر ميدان للتدريب رداً على هزيمة الـ 67 كانت تلك الايام من ايام حزيران عندما دب الدم الحار في كل العرب ، فلقد انتصرت اسرائيل على الجيوش العربية القوية ، مصر وسوريا والاردن ، ولكن الحقيقة كانت هي ان الولايات المتحدة هي من انتصرت ودمرت تلك الجيوش وأولها طيران مصر الذي دمرته الطائرات الامريكية على أرضه في مصر وانتهت المعركة بسرعة لأن الولايات المتحدة ضربت كل القوى الجاهزة والقادرة على الرد والتصدي والحاق الهزيمة بالجيش الاسرائيلي، لم تقاتل اسرائيل، الذي قاتل هم الامريكيون، لا شك ان فضيحة ليبرتي الباخرة التجسسية الامريكية والتي قادت كل الهجمات الامريكية على الطيران المصري والدبابات المصرية وعلى سوريا وعلى بعض المواقع في الضفة الغربية ، الباخرة ليبرتي ، قامت اسرائيل بإغراقها وتدميرها رغم انها تعرف انها امريكية كي تخفي الحقيقة وهي ان تلك الباخرة هي التي قادت تلك المعركة ضد جيوش مصر وسوريا والاردن وهي التي الحقت الهزيمة بتلك الجيوش ثم اعطت اسرائيل راية الانتصار ولن أنسى أيضا وهذا ما بادر الى ذهني عندما رأيت شباب بيتا ، لن انسى موشي ديان يرد على سؤال لقناة فوكس ، سأله المذيع هل تعتقد انكم ان الله كان الى جانبكم حتى انتصرتم بهذه السرعة ، اجابه ديان بكل صلف واستكبار نحن كنا الى جانب الله وليس هو الذي كان الى جانبنا .
كلها جائت ومرت سريعاً في ذهني لكن الشعور هو الذي طغى شعور بأن الدم حار وان علينا ان نقاتل وان علينا ان نتصدى للعدو المحتل وان علينا ان نسترجع اراضينا وكرامتنا ، فقد ساد في العالم العربي تلك اللحظات شعور بالانقباض والإحباط سواد في سواد حداد في حداد ، هزمت القوة العربية امام جيش اسرائيل ، انتصرت اسرائيل ، اسرائيل غزت المنطقة واحتلت الأراضي وثم شاع في كل مجال لهم نفوذ كل الشعارات المعادية للعرب حتى وصلت الامور لبعض مطاعم نيويورك انها وضعت على الباب اعلان ممنوع دخول الكلاب والعرب ، كانت هذه المعارك بنتائجها مذلة للعرب مذلة لكل العرب ، وأول من شعر بذلك الإذلال جمال عبد الناصر الذي قدم استقالته رغم ان المسؤولية كانت على عاتق مسؤولين آخرين في الثورة المصرية ، قدم استقالته لأنه شعر انه هو المسؤول ، ولكن الشعب الذي ناضل معه لبناء السد العالي وناضل معه في كل المراحل من أجل خلق مجتمع جديد من أجل خلق وحدة عربية من أجل بناء قوة لاسترجاع فلسطين ، أجبره على العودة عن استقالته حتى يكمل المشوار .
في حديقة بيت أحمد الشقيري رحمه الله تجمع الشباب والفتية، يريدون تدريباً سريعاً على السلاح ، يريدون السلاح ، يريدون ان يتوجهوا الى فلسطين للقتال وبالفعل تجاوب معنا اللواء محمد الشاعر رحمه الله ، وكان الى يمينه الضابط فيصل الحسيني والى يساره الضابط باسم بركات وهم ضابطين فلسطينيين وكان اللواء محمد الشاعر القائد الأعلى للقوات الفلسطيينية، قوات منظمة التحرير الفلسطينية.
وعندما حضر اللواء وضباطه جلبوا معهم نماذج من الأسلحة المتوسطة والخفيفة وبعض خرائط الأسلحة الثقيلة ، كالمدفعية والهاون الكبير ، كي يعلموا الشباب (الف، باء) الأسلحة وهم لم يمسكوا بحياتهم قطعة سلاح ولم يتدربوا في حياتهم على أي معركة او اي نوع من القتال.
حماسة الشباب في تلك الحديقة ، شبهتها بحماسة شباب وفتية بيتا ، بيتا نقول بيتا ، باللفظة اللبنانية هو بيتها وبيتها هنا يجوز ان نطلق عليها اسم بيت القضية ، فلقد امسك هؤلاء الشباب والفتية ، امسكوا بالرسن الحقيقي ، امسكوا بالحبل الحقيقي ، حبل الحياة ، حبل الحرية حبل طرد الغزاة من ارضنا المقاومة ، المقاومة، المقاومة.
جميعهم كانوا متحمسين للاندفاع نحو المستوطنين ليقاتلوهم ويطردوهم من ارضهم جميعهم، ولكن عندما نظرت الى هؤلاء الفتية رأيت فيهم هؤلاء نفس الفتية الذين تجمعوا في حديقة بيت الشقيري ، لا تدريب ، لا سلاح، لا علم لهم بفن القتال ، انهم يحتاجون الى ذلك ، ان ارادوا ان ينتصروا ولا شك انهم يريدون الانتصار وعلينا أن نطور من قدرة هؤلاء الشباب من قدرة قذف حجر على المستوطن الى قدرة أعلى ، حتى يعلم هذا المستوطن ان محاولته سرقة ارض فلسطين تعني دفع ثمن كبير .
لقد اخذ شباب بيتا وفتيانها زمام المبادرة تخطوا القيادة تخطوا كل المسؤولين وعملوا بما يعتمر بقلوب المؤمنين من ابناء شعبنا، ناضلوا وقاموا كما يريد الشعب في مواجهة هذا الاحتلال والغزو الاستيطاني ، لقد بادروا واستلموا الزمام و اندفعوا في هجوم دفاعي مستميت ، اضطر معه المستوطنون على التراجع واضطر معه جنود الجيش الرسميين الذي يحمون المستوطنين للتراجع ايضا، لكن الخطر قائم فهذا العدو مراوغ ، مازال يرسل ليلياً مجموعات من المستوطنين ويحتفظ بـ المنشآت والمنازل التي بنيت على ارض الفلسطينيين ، وما زال الدفاع قائماً ومازال الهجوم الدفاعي قائماً، شباب فتية متحمسون منطلقون لمقاومة الغزاة مهما كلف الأمر.
اليوم، سقط 411 جريح ومصاب ستة منهم بالرصاص الحي ، والباقي بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط وآخرون اختناقاً بالغاز ، الذي زادت قوات الاحتلال كثافته بحيث أصبح قادراً على خنق من هم كبار في السن ، ومن هم دون السن القانونية ، يقتلون الأطفال وكبار السن بزيادة كثافة ذلك الغاز الذي يفترض ان يسيل الدمع لا ان يسيل الدم.
411 جريح في يوم واحد ، واذا اضفنا اليهم جرحى كل الايام التي مرت على هؤلاء الشباب والفتية وهم يقاومون الغزاة والمستوطنين نستطيع ان نصل خانة الآلاف ، والسؤال هنا ، هؤلاء الشباب في الدرجة الاولى حماستهم بحاجة الى امتلاك تقنية في التصدي والدفاع الهجومي تمكنهم من تدفيع العدو ثمناً غالياً.
لابد من ان ينالوا تدريباً على الأمور البسيطة التي تجعل من المقاومة الشعبية ، مقاومة حقيقية.
سأضرب مثلاً هنا ، هنالك عدد كبير من ضباطنا الذين تخرجوا من دورات وكليات ودفع الشعب الفلسطيني باهظاً كي ينالوا ذلك التدريب والشهادات ، عدد كبير منهم أحيل للتقاعد في سن مبكر من قبل السلطة الحاكمة هذه الأيام.
احيلوا للتقاعد منذ بداية هذه السلطة الحالية ، والسؤال، هؤلاء الضباط الذين دفع الشعب الفلسطيني غالياً كي يتدربوا ويتخرجون ويمتلكوا العلم العسكري ، ماذا يفعلون ، يجلسون في بيوتهم يشاهدون التلفزيون يتناولون القهوة ، يشربون الارجيلة ، يدعون بعضهم بعضاً لأكل المناسف ، السؤال ماذا يفعل هؤلاء الضباط ، الذين تعبنا كشعب ومنظمة من أجل تدريبهم وإرسالهم للكليات العسكرية وتخريجهم مقاتلين من أجل فلسطين وليس ليجلسوا ليتناولوا القهوة والشاي، في تقاعد اجبروا عليه في سن مبكر، والامر لهؤلاء لا يحتاج ابداً الى قرار رسمي من السلطة ، بل يحتاج ان يتخذ هؤلاء الضباط مبادرة، تماماً كأهل بيتا، شبابها وفتيانها ، يأخذ المبادرة ويختلط بهؤلاء الشباب ويدرب هؤلاء الشباب ويجعلهم يمتلكون على الأقل المبادئ الأساسية في كيفية صناعة المقاومة الشعبية .
هذا اقتراح أول ، وهنالك اقتراحات كثيرة ، لكن ربما تحتاج الى وقت ، كي ينفض كل فلسطيني اوساخ نظام نسق مع العدو واضاع على الشعب الفلسطيني أكثر من عشرة سنوات من الخنوع ، والرضوخ للإملاءات والسكوت على بناء المستوطنات ونهب الاراضي ، فمنذ عام ألفين عندما اقتحم شارون المسجد الاقصى ، وعندما اصبح نتنياهو رئيساً للوزراء، بدأت الحملة الواسعة لنشر المستوطنات ومصادرة الاراضي وبناء الوحدات السكنية الاضافية لتحويل الضفة الغربية الى منطقة تضم الى اسرائيل تحت اسم يهودا والسامرة.
اذا كنا نقترح على هؤلاء الضباط ان ينفضوا عن اكتافهم كل ذلك الغبار ، وأن يبدأوا بتدريب الفتية والشباب ، على المبادىء الأساسية ولا نقول على الاسلحة الثقيلة، المبادئ الاساسية للمقاومة الشعبية التي تجعل من ضرباتهم مؤثرة في الغزاة ولا يكتفى بالحجر ، هؤلاء عليهم واجب وأنا لا أناشد هنا ، بل اذكر كل ضابط منهم ان عليهم واجب وأنه أقسم اليمين عندما التحق بقواتنا المسلحة ، وعليه الوفاء بذلك اليمين وعليه ان لا يستشير السلطة وعليه ان يسعى بقدميه بنفسه للالتقاء بالفتية دون ترتيب، والحرص كل الحرص حتى لا تتسرب أنباء هؤلاء إلى أجهزة التنسيق فيلاحق ويعتقل.
من ناحية أخرى هناك عنوان كبير جداً جداً ، يجب أن يصبح الشباب والفتية ضالعين فيه ومنخرطين ليل ونهار، فنحن نسمع بين الحين والآخر عن فتية وشباب ، اخترعوا أجهزة من أشياء بسطة ، ولدوا الكهرباء من لا شيء ، أقاموا مصانع لأشياء حساسة بقطع من الآلات قديمة لموها من أكوام المهملات، انظروا ماذا يجري في غزة لهؤلاء المخترعين ، وكذلك في الضفة الغربية ، فإذا كان أربعة من المهندسين، قد نالوا الجائزة الأولى في تخطيهم لإعادة بناء مرفأ بيروت ونالوها منافسة مع كبرى الشركات في العالم ، وهم طلاب من جامعة بيرزيت، فلا شك ان لدينا عقول قادرة على الاختراع وعلى استنباط الأمور وعلى تطوير سلاح هو المقاومة الشعبية ، المقاومة الشعبية، نسمع عن محاولات لتهريب الأسلحة ، أحبطتها إسرائيل مرة من نهر الأردن ومرة من شمال فلسطين، قد تكون هذه القصص مخترعة ومضللة من قبل العدو ولكن تهريب السلاح شيء يجب ان يبقى في خاطر العدو كما هو في خاطرنا ، فالعدو يتوقع تهريب السلاح ونحن نتمنى تهريب السلاح ، حتى يصبح المجرم الصهيوني العنصري الذي يطلق الرصاص على الطفل ، يصبح واعياً من ان تلك الرصاصة قد ترتد الى وجهه وقلبه وتقتله.
أن الارتفاع بمستوى المقاومة حتى نصل إلى خطوط ردع واضحة مع محاولات الاستيلاء على الأرض وتهجير الشعب ، يجب أن يكون هدف من أهدافنا، وهذا لا يمكن أن يتم الا بالارتقاء بمستوى التدريب والمعرفة بالأولويات و الأوليات في مقاومة الشعب للغزاة.
كل هذا الاندفاع في الدفاع الهجومي والهجوم الدفاعي، ينضوي تحت يافطة وعلم كبير هو وحدة المقاومة في المنطقة ، إن محور المقاومة في المنطقة الذي يتنامى في قوته وقدراته هو المسؤول الأول عن مواجهة هذه الزرعة الصهيونية السامة ، والمسؤول الأول عن حماية القدس وأهلها، والمسؤول الأول عن التصدي للكيان العنصري الذي يستهدف نهب ثروات المنطقة تحت راية الولايات المتحدة من جزيرة سقطرى واليمن وباب المندب والبحر الأحمر إلى مياه فلسطين التي ينهب النفط والغاز منها.

نقلا عن رأي اليوم

اثنين, 12/07/2021 - 19:29