سد النهضة، وصراع العمالقة

محمد ولد سيدي 

أغلب الدراسات تقول: أنه،لا مناص من حرب على المياه في منطقة الشرق الأوسط بالأمس كان الصراع مع الثالوث،  إسرائيل، وإيران، وتركيا،ولكل منها، أطماع، توسعية، وهيمنة، ونفوذ، و إعادة مجد طواه الزمن ،  بالمقابل تعيش بلدان شبه الجزيرة العربية،وغيرها من البلدان العربية،  أحلك فتراتها تاريخيا، فبالإضافة الى الدور الكبير الذي تلعبه الدول الآنفة الذكر، في الفعل السياسوي لدى شعوب المنطقة، دخلت قوة أخرى من شرق إفريقيا، أخطر على مصر والسودان، من  إسرائيل نفسها، إنها دولة الحبشة ،حيث يتناغم التاريخ والعظمة، و الحجم،إقليميا،ودوليا، ففي الوقت الذي تنشغل فيه البلدان العربية في تبجيل الحكام، وسياسة التركيع، والغطرسة، ووأد التجارب المدنية الوليدة، والصراع على السلطة، وما تبع ذلك من أزمات ،سياسية، وإجتماعية، و إقتصادية خانقة ،ترسم دول ،كانت بالأمس القريب، وكرا للفقر، والتخلف،  سياساتها التي ستؤمن لها حياة سكانها، بشكل أفضل ...
سد النهضة الأتيوبي مشروع قديم يعود الى النصف الثاني  من القرن الماضي، ولكن الظروف المواتية لبنائه لم تكن قائمة حتى في عهد الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، فقد وجدت إثيوبيا في الظروف الصعبة التي تتخبط فيها مصر والسودان  اللحظة التاريخية المناسبة لبنائه  من أجل التمكين  من ضمان لقمة العيش، والحصول على الطاقة الكهربائية اللازمة،فضلا عن زراعة الأراضي الصالحة للزراعة . 
في سياق أزمة، سد النهضة، وموقف مجلس الأمن الدولي، تطرح أسئلة عديدة نفسها:
ماذا لو كانت مصر في موقع " إتيوبيا " ؟ ،وماهي الرسائل المتوخاة من تبني مجلس الأمن الدولي " للموقف الإتيوبي " ،ارجاع حل أزمة سد النهضة الى الأتحاد الإفريقي؟
لو افترضنا جدلاً، أن  الموقف،الروسي، له بعد تاريخي تعود جذوره الى عهد الرئيس السابق محمد أنور السادات، ولكن، ماذا عن بقية القوى الكبرى، الصين، والولايات المتحدة، وفرنسا، وانجلترا؟
البعد التاريخي من منظور روسي، قد يكون السبب الأول لمساندة روسيا للموقف الإتيوبي، ناهيك عن دور روسيا في إحياء مجد ضاع، بالإضافة الى تواجدها في أماكن أخرى، في سوريا ، وليبيا ، وحتى في منطقة الساحل، تسعى روسيا الى إيجاد موطأ قدم لها في مالي،و  ربما وجدت في إتيوبيا البوابة المناسبة ،لتواجدها بقوة في إفريقيا، و 
مما لا شك فيه أن النزاعات المسلحة،  المستفيد الأول والأخير ،منها، الدول الكبرى،  لأنها ستبيع أسلحتها، وتجرب أحدثها ، وتتموضع أكثر، فالولايات المتحدة، وروسيا، الى جانب تركيا، وفرنسا، هي الدول الأكثر ميدانيا  في بؤر النزاعات الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقرن الإفريقي،ودول آسيا.لا أحد ينكر دور مصر الريادي في الدفاع عن العرب والأفارقة، وحتى في إنشاء، منظمة عدم الإنحياز، في باندوغ سنة 1961م ،و الحقيقة أن بناء سد النهضة، أوقع صدمة كبيرة في الشارع المصري ،وكذا الحال نفسه مع السودان.
إذاكان الشغل الشاغل لدول العالم، هو السيطرة على آثار جائحة كورونا، فإن الشغل الشاغل لأم الدنيا، وغلة العرب ،هو المحافظة على حصتيهما من مياه النيل، فالنيل بالنسبة للشعب المصري، يعني، الكثير،وهو شريان الحياة  للإنسان المصري منذ الأزمنة السحيقة، الى اليوم،وعليه فإن تبني مجلس الأمن الدولي، للموقف  الإتيوبي، يحمل دلالة أكبر، فمن دعم سياسياً،فمن الطبيعي أن يدعم عسكريا، و إذا كان الخيار  الأسوأ- خيار الحرب -  ضرورة حتمية، فإن المنطقة ستدخل في سباق محموم نحو التسلح. 
إتيوبيا ليست وحدها، وهي قوة صاعدة، يزيد تعداد سكانها على المائة مليون نسمة، و مصر لها قصص مشرفة في الدفاع عن حقوقها المشروعة، وثوابتها التاريخية، من العدوان الثلاثي، سنة 1956 ،الذي انتهى، في الأخير، بتأميم قناة السويس، في عهد جمال عبد الناصر، وبعدها  ، بناء السد العالي، من 1960الى1968م ،وهو ماكانت له آثار إقتصادية و إجتماعية، حققت طفرة في تحسن المستوى المعيشي  لأكبردولة عربية، وإفريقية على الصعيد الإقليمي. 
اليوم تغير إتيوبيا مجرى النيل،وتتغير المعطيات،ولم تعد مصر، مصر في العالم العربي والإفريقي، وأصبحت دول صغيرة الحجم في منطقة الشرق الأوسط، هي الديناميك المحرك الأساسي للقضايا الكبرى في المنطقة، قطر والإمارات، الى جانب  تركيا الحيوي.
 لقد تغيرت،المعطيات،  الإنشغال بلملمة، الجراح، وترتيب البيت الداخلي، المتصدع، ،والمحورية، في  الأحلاف في وقت لما يعد للأحلاف الكبرى، من أهمية.   فرسان الصراع، حول حوض النيل،  لكل منهم أدواته،و مصالحه، وأجنداته، ، فإذا كانت مصر بقوتها وعتادها قادرة على ضرب سد النهضة، وتحويله الى ركام، فإن لإتيوبيا قوة خلفها، و تعنتها،  ،لم يأت صدفة، إما بسبب حصولها على أسلحة متطورة قادرة على صد أي هجوم خارجي، وإما من منظور أحقيتها في استغلال أرضها بما يضمن حياة كريمة، لشعبها، شأنها في ذلك شأن كل الدول التي تعمل على خلق استراتيجيات تنموية، ممتازة،أزمة سد النهضة، سيكون لها مابعدها على شعوب المنطقة، فإتيوبيا ترواغ وتكتسب، وتواصل التقدم والنجاح حتى آخر مرحلة من اكتمال بناء السد، مرحلة ملء الخزان الثاني، ومصر والسودان، يطرقون أبواب المنظمات الإقليمية والدولية، لثني إتيوبيا ،والتشفي لها وهو ما خلق نوعا من الإستياء لدى كتابا ومفكرين كبار في مصر والسودان عن مدى انتعاضهم من سوء إدارة تسيير أزمة سد النهضة والتساهل معها الى حد الضياع ،وهذا ما ترجمه مقال رئيس تحرير صحيفة الأهرام السابق  عبد الناصر سلامة الذي طالب،  الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتنحي في مقال له على الفيسبوك  قائلاً:
إن الأمانة والشجاعة تقتضيان خروج “السيسي” إلى الشعب بإعلان تنحيه عن السلطة، وتقديم نفسه لمحاكمة عادلة، عن كل ما اقترفته يداه”، مشيرا إلى تنازل “السيسي” عن جزيرتي البحر الأحمر (تيران وصنافير) للسعودية، وحقلي غاز بالبحر المتوسط لإسرائيل، فضلا عن خطر إهدار مياه النيل لصالح إثيوبيا، و”إهدار ثروات مصر على تسليح لا طائل من ورائه ، وتكبيل البلاد بديون باهظة لن تستطيع أبدًا سدادها...
سد النهضة، زاد من أوجاع المنطقة، التي تتناسل ،بشكل متسارع، والمفارقة أن تتقوى الدول المحاذية، وتتراجع الدول العربية شيئا فشيئا إقليميا ودوليا، سد النهضة، هل تسير القافلة على خطى الموقف من القضية الفلسطينية، والبيانات المحتشمة للجامعة  ، فيما تواصل إسرائيل توسعها، واختراقها للصف العربي، كل المؤشرات تدل على أن إتيوبيا، تسير سير إسرائيل مع الدول العربية،فقد كسبت بداية المعركة، ويبدو أن النهاية تسير وفق الخطة التي ترسمها إتيوبيا ...

ثلاثاء, 20/07/2021 - 10:23