هل ستفعلها طالبان وتنقذ أفغانستان؟!

منى المعولي

يا لهذا القلق الذي يهذي به العالم اليوم خوفاً وحرصاً على حقوق المرأة في أفغانستان، هذا الحرص المزعوم الذي ذابت مبادئه طيلة عقدين مكتملين؛ لينتأ من جديد متعفناً بالازدواجية والنفاق، أمريكا التي احتلت أفغانستان مهوُسة بأجندة التصفية والانتقام تبحث في جحور أفغانستان عن أسامة بن لادن المتسبب الرئيسي في تفجيرات (11 سبتمبر) بنيويورك، نعم تبحث في الجحور وتضرب القرى، تبحث عن المقاتلين وتعدم الأعزل! غير أبهة بمقتل كهل أو طفل أو امرأة، وبرغم كل الضحايا الذين سقطوا والدماء التي سفكت إلا إن الإعلام الغربي ظل يعنون لها في مانشيت الصحف وبالخط العريض إنه ضرب في أوكار الإرهاب!

فلا أعلم حقا هل كان ضرب للإرهاب أم هو إرهاب لكرامة البسطاء؟!
أمريكا التي جاءت لتحرر أفغانستان من كل التطرف والإرهاب وانتهاكات الحرية كما تزعم، هي في الواقع جاءت لتستعيرها وتصفي حساباتها فتعيدها كما استلمتها من حركة طالبان بعد انتهاء مهمتها، ولكن بقوى منهكة؛ جعلت شعبها القلق من الحلفاء للأمريكان؛ يهرب بجلده وشعره وتفاصيله، ليتساقط البعض منهم على بلاط المطار مرتطما، وتعلق أشلاء البعض بعجلات الطائرة التي أجلت من استطاعت كقطيع منضود فوق بعضه البعض على هيئة بشر مشحونين إلى مصير مجهول أخر وكرت ضغط جديد على متن طائرة عسكرية لشحن البضائع والأمتعة!

العارف للحق القارئ للحقيقة، الحر المتجرد والمنصف سيحلل الأمر كما ينبغي تحليله، في حين سينبري المعتوه مبرراً، مدافعاً، متذرعاً بالحجج المضحكة، لذلك أحيانا من الصعب أن تقنع مقتنعاً بحماقته ولو سردت أو سجلت او حررت له من الحجج والأدلة والبراهين دفاتر وكراسات ومجلدات مبينة، ستبقى في عينيه أمريكا هي الناطقة المسئولة المخولة بحماية حقوق الإنسان وروحه وكرامته وفكره، وسيبقى الغرب هو دليل الانفتاح والتنوير وطريق اكتساب الحقوق المدنية والإنسانية.
تلك الإنسانية التي تجلت معالمها واتضحت أنه بعد انتهاء أمريكا العظيمة من مآربها في أفغانستان وبمساعدة حلفائها من خونة الأوطان فإنها ضربت بكل تلك الشعارات السقف والحائط والباب، فأطلقت النار في الهواء، وقتل من قتل وسحل من سحل على أرض المطار وسحق من سحق، وتحركت طائرتهم وكأن حشد من النمل؛ لا جمع من البشر يجري مرعوبا تحت ظلال أجنحتها وعلى مخابئ هيكلها وعلى قرابة عجلاتها.

بالطبع لست متفائلة كثيراً ولا أتوقع أن تطبق حركة طالبان اليسار الإسلامي، فأنا متمسكة برأيي أن كل حكم أو قضية أو حركة تقوم على أيدلوجيا عقائدية فستبقى متطرفة لقناعاتها، خصوصا إذا ما اقترنت بالسلطة فهذا خوف أكبر أن تتذرع باسم الدين في قراراتها، ومازلت قلقة أيضا من عدم السماح بالانفتاح الفكري، كما إني أعتقد أن للظروف السياسية والاجتماعية التي واكبتها الحركة فلا يمكن أن تتجاوز قناعتها قبل أو خلال جيل كامل على الأقل، غير إن في النهاية من هي حركة طالبان؟ هي مجموعة من المواطنين الأفغان بغض النظر عن ممارساتهم والتي يبدو أيضا من خلال تصريحاتهم أنهم لا ينوون سفك الدماء، إذن على الأقل هناك مشروع قومي لحقن دماء الداخل والخروج من دوامة الصراع الداخلي والحروب الأهلية والتفرقة التي تسببت بها أمريكا الفاتحة!!.

ومهما ادعت أمريكا الإصلاح الذي لم تتحقق بوادره في أفغانستان فإن وجودها سيبقى وجود مستعمر جاء لمصلحته وهدفه وغادر البلد فجأة وتركها تواجه مصيرها لهدفه أيضا، فلنعطي طالبان فرصة ولانستعجل الحكم والتشاؤم فمن يعلم لعل الأيام القادمة تثبت أن هذه الحركة المتشددة كما يطلق عليها، تستطيع ترميم الأعطاب التي خلفها الأمريكان، فمازالت أفغانستان ترفل في الجهل والاشتباكات والمآتم والانتهاكات وهذا ما خلفه الغزاة إذن إن كان هذا ما خلفوه وفعلوه “فلا ضير أن تكون أفغانستان مقبرة الغزاة”.

نقلا عن رأي اليوم

سبت, 21/08/2021 - 09:18