حرب النور والظلام بين فتاوي وتحريض

نادية عصام حرحش

استيقظت على رسائل متدفقة من كل اتجاه واتصالات بسبب “فتوى حول اسود رام الله التي حطمها متعاط مخدرات حسب تقرير الشرطة”.
هذا هو عنوان السؤال الذي طلب الفتوي.
فكرت قليلا ورجعت للنوم… الموضوع مفتي فيه: اسود حطمها متعاط مخدرات. والشرطة حلت الموضوع. اين المشكلة وأين الحاجة لفتوى.
لم تتوقف الاتصالات، قمت مرة أخرى وقرأت: ” ما قولكم في الهجمةِ الشرسةِ التي حصلت بعد تحطيمِ أسودِ المنارة في رام الله من قِبلٍ شخصٍ متعاطٍ للمخدرات، حيث وجهت السهامُ للفكر الظلامي كما زعم المهاجمون، أفيدونا؟
قلت في نفسي مرة أخرى: وجهت السهام للفكر الظلامي فما المشكلة؟
ولكن الامر لا يبدو كما هو بخلاصة الامر التي وضعت موقف الإسلام باستفاضة للأستاذ الشيخ المفتي.
بينما كان الكلام مليئا بالتحريض ضد اشخاص بعينهم، ولقد رأيت اسمي بينهم، وهذا فسر تدفق الرسائل لي. ولكن كان ما هو اهم في هذا الوقت الصعب، وهو التحريض على رجل دين بعينه، ليصبح الامر أكثر من حزب النور والظلام. لفتتني عبارة “بني علمان” المتكررة بالمنشور الطويل ولم افهمها بصراحة، ولكن يبدو انها تشكل كل حزب الظلام من مسلمين ومسيحيين على غير طريق حزب النور والعكس.
الحقيقة انني لا اريد السخرية من الامر، ولكن يجب اخذ الموضوع بأقل جدية لأنني إذا ما اخذته بهذه الجدية فسأنتهي بحرب أخرى نواجهها فوق الحروب المتراكمة علينا.
احتلال، فساد، عنصرية دينة، تطرف اعمى. حرب داحس والغبراء وسط حرب الروم في خضم معركة مؤتة وقتال بطريقة معركة أحد.
ما الذي يجب فعله بخصوص هذه الفتوى؟ من المسؤول عنها بالإضافة الى الشيخ الذي اصدرها واكد ان عالمنا هو عالم نور ظلام. نور يحارب فيه الظلام؟
شيخي الفاضل: لن استخدم كلام الفتاوي، ولن احارب الظلام بالنور إذا ما كنتُ من أصحاب حزب الظلام. لأن النور والظلام وحدة متماسكة في تشكيل هذا الكون. هل رأيت شمسا وسط ليل؟ الا تنتظر الشمس دورها في البزوغ كل صباح منذ قيام هذه الدنيا؟ الا تغرب في كل يوم لتترك للظلمة مساحتها بنفس القدر لكل يوم؟
المصيبة تكمن هنا، في حرب نور وظلام لم نعد نفرق فيها من النور ومن الظلام فيها. لم نعد نفرق القمر من الشمس، ولم نعد نفرق الكواكب والنجوم من طلقات الاعيرة والمفرقعات.
هل نجلس وننتظر قتلا اخر على غرار فرج فودة وناهض الحتر؟ ام سننتظر حرب اقتلاع كنائس وقتل رجال دين؟
سيعلو نور الإسلام بهؤلاء بالدفاع عن شرعية قطع رؤوس اسود رام الله!!!
الفتوى: “خلاصة الأمر أن موقف الإسلام من التماثيل واضحٌ جليٌ، فقد أعلن الاسلامُ الحربَ على التماثيل في بداية ظهوره، لأنها كانت تُعبد من دون الله عز وجل، ودلت الأدلةُ الشرعية على وجوب هدم التماثيل.
وأن التماثيلَ لذواتِ الأرواحِ من انسانٍ أو حيوانٍ من المنكرات سواء عُبدت من دونِ الله أم لم تُعبد، ولكن تغيير المنكراتِ باليد إذا ترتب عليه مفسدةٌ أكبر من المنكر فلا يجوز تغييرها باليد، كما هو الحال في حادثة تحطيم أسود رام الله.
وأن أسود رام الله، ليست من رموز الشعب الفلسطيني عامةً، وإنما هي رمزٌ لخمس عائلات في رام الله فقط، فلذلك فإن تضخيم شأنها وكونها من التراث الفلسطيني أكذوبةٌ كبرى!
وأنه ينبغي أن يُعلم أنه لا يجوز شرعاً إقامةُ التماثيل تخليداً لذكرى الزعماء والرؤساء وغيرهم، لعمومِ الأحاديث الصحيحة الواردة في المنع من ذلك”
إذا ما كان موقف الإسلام واضح من التماثيل، وأعلن الاسلام الحرب على التماثيل بداية ظهوره لأن الناس كانت تعبدها. فسبب التخلص منها كان واضحا وجليا كذلك. هل رأيت يوما أحدا يتعبد امام اسد رام الله؟ او هل رأيت انسانا في رحلاتك حول العالم وفي حدائق المنازل من أبو ديس إلى اريحا حيث النوافير الحجرية ومداخل البيوت على هيئات مختلفة يتعبد امامها الناس من دون الله؟
لم أكن اعرف ان اسود رام الله تشكل خمس عائلات من المدينة قبل هذه اللحظة!! واتفق مع الحديث انه لا يوجد هناك ما يضخم في امرها، بالعكس، قد تكون فرصة تكسيرها فرصة للتفكير بما هو أكثر ابداعا في تلك الساحة من تماثيل تفتقد الكثير من الفن والابداع في تصنيعها وعرضها.
ولكن إذا ما اتفقنا ان الرجل الذي حطم التماثيل كان مخلولا ومتعاط للمخدرات، فما الذي تحاول الفتوى قوله؟ ان يتوضأ شخص ما ويذهب لتحطيم كل ما يجسده تمثال؟ هل هناك إشارة الى الذهاب الى تمثال نلسون منديلا وتحطيمه؟
ما هي الثقافة والتراث الفلسطيني يا عزيزي؟ كيف نقيمها وكيف نقررها؟ ما هي رموزنا الحقيقية؟
نحن شعب تحت احتلال. احتلال يجعل من شجرة الزيتون رمزا لوجوده اليوم. احتلال يجعل من المغارة وحجر وعظمة وعملة وفخارة دليلا واثباتا على وجوده اليوم.
التراث تراكمات تجعل منا نحن الفلسطينيون جزء من الحضارة الكنعانية في هذه البلاد التي يتسابق الاحتلال على تجذير نفسه من خلالها. اين نحن في حرب الظلام والنور بينما تسلب البلاد حتى من احقية وجودنا عليها. نتعرض يوميا لمحاولات تطهير عرقي، يغرقنا الفساد ولا نعرف كيف نرفع رؤوسنا من وحل مصابنا، فلم نعد نعرف كيف ندافع عن قضية يتوحل فيها الانسان الى هذا الحضيض من العدمية.
الفكر الظلامي هو كفر بالله وبتعاليم رسالاته لنا من خلال انبيائه ورسله.
الفكر الظلامي هو اخذ المجتمع الى وحل التخلف والتمسك بما يجعل الاحتلال يتمسك بهذه الأرض ويخنقنا ويتخلص منا، بينما نلتهي ببعض ونقتل بعض ونهجج من بقي حيا نحو طلب لجوء او سفر بلا عودة.
اتفق مع الشيخ الفاضل بان الإسلام هو النور، ولكن الاقصاء والتحريض والتكفير لم يسيء الا للمسلمين.
كل ثقافة ودين وحضارة كان فيها ظلامها ونورها.
نعم، خرجت أوروبا المسيحية من عصر ظلمات داكن ومتخلف، ولكنها لا تحاول العودة له.
الإسلام كان رسالة نور وسط الظلام، كما كانت المسيحية واليهودية.
نحن “امة” فلسطينية تجمعنا دياناتنا وتعدديتنا.
نحن “امة” تقبع تحت احتلال عسكري وتخبط سلطوي فاسد، نحتاج ان نصلح امرنا لكي نواجه أزمتنا الأولى والاهم وهي تحررنا من الاحتلال.
الاحتلال الذي لم يعد متجسدا فقط بذلك العسكري، ولكن احتلال عقولنا وقلوبنا بحرب نور وظلام هو الذي سيجعل منا اضحيات لم يعد حتى الاحتلال العسكري بحاجة لها للاحتفال بقوته وجبروته.
الظلام والنور يمر يوميا بمسيره الكوني. ونحن نقف بتحد لهذا الكون الذي ندعي اننا خلقنا لنعمره لنجعل منه نورا كاملا او ظلاما كاملا.
النور والظلام لا يجتمعان، ولكن لا يمكن للحياة ان تكون بدون دورة محكمة لكل منهما. والا تلاشينا واندثرنا وصرنا هباء منثورا في هذا الكون الذي سيستمر كما كان دوما كون نور وظلام.
بالنهاية، جريمة وكارثة بحقنا كشعب فلسطيني ان نحرض ضد رجل دين، يدعوه العاقل منا الى المكوث في بيته. أتمنى من ان يحمل رجل الدين المسلم ما يحمله الإسلام من نور وسلام. لا ظلم ولا ظلمة على من يخالفه الرأي او الموقف. التحريض لا يختلف عن القتل.
لقد شهدنا ما حصل بجريمة قتل الشهيد نزار بنات.
أولئك “الجنود” الذين تلقوا اوامرهم بتلقين نزار درسا نفذوا اوامرهم بلا هوادة. لا يختلفون عن ذلك الذي قتل فرج فودة بسبب أفكاره التكفيرية وهو نفسه لم يسمع عنه من قبل ولا يعرف القراءة أصلا. لا يختلفون عمن أصدر الأوامر بتصفية ناهض الحتر بسبب رسوم كاريكاتيرية لا يحتمل فيها ديننا الرحيم مزحة.
أتمنى ان يتدخل السيد وزير الأوقاف، وزير الداخلية، رئيس الوزراء ويقف على رأس هذه المسألة قبل ان نجد أنفسنا بداخل حرب أهلية دينية نحن في غنى عنها!

نقلا عن رأي اليوم

سبت, 23/10/2021 - 11:48