الكَجْ

خالد الفاظل

حبذا لو وجدتُ ترجمة حرفية للكلمة الشعبية "الكَجْ" إلى الفصحى ومعرفة جذورها اللغوية، إضافة للحصول على تفسير منطقي لسرَّ ولع الشعب الموريتاني بمدلول الكلمة ودفنه في العديد من مستجدات الحياة؟

أول ما سمعت التسمية؛ كان ذلك منذُ سنوات طويلة لما انتشر في السوق لحاف غليظ وقوي يستعمل في تغطية الفراغات المفتوحة بجنبات الأعرشة، والأعرشة منازل غامضة الهوية العمرانية وتمثل من وجهة نظري القطيعة الابستمولوجية التي لم يستطع الكائن الموريتاني حتى الآن تجاوزها وهو يتنقل من حياة الترحال(البدو) نحو حياة الاستقرار (الحضر). فاخترع هذا المجسم الغريب الذي يمزج بين ترحال الخيمة ومكوث الدار! فسمي ذلك اللحاف الذي يطوق الأعرشة "کج گويرة"، وهو استفزاز واضح لگويرات وتحدي صريح لهيبتها. وگویرات فصیلة ماكرة ومفسدة من الماعز تأكل كل شيء يعترض طريق أسنانها باستثناء الصخور والحديد والرمال والبلاستيك وكانت تشكل مصدر إزعاج متصاعد للأسر يبعثر أوانيها وأمتعتها وحمولة أفرادها من الدفاتر والكتب..

أصبح مصطلح "الكج" ثقافيا ويطال العديد من المفاهيم وتختبئ في طياته الكثير من مكبوتات المجتمع العميق وهي تبحث عن متنفس لغوي يشفي غليلها. أذكر ملاحفا شفافة تلبسها النساء أطلق عليها "كج الشريعة"، مع التحفظ طبعا على المصطلح. كما أطلق أيضا على وجبة الأرز والدجاج "كج الحوت"، والأرز والدجاج وجبة نشأت إبان طفرة المداجن بالعاصمة التي يخضع فيها الدجاج لعملية التسمين القسري، فيكبر الدجاج ويتضخم في وقت وجيز. وفي الأرياف يوجد لديهم وعاء حديدي طويل القامة يقال له "كج المش" يحفظ فيه اللحم حتى يسلم من اعتداء القطط. لذلك اعتبروا هذا الاختراع استفزازا مريحا للقطط. ومع الطفرة التي شهدتها البضائع الصينية خاصة الأحذية. ظهرت الأحذية البلاستيكية المقاومة للبلل، فسميت بكج الماء. 

مع أن كل جديد يحاول أن يُكج القديم بطريقة ما، فأن الأمر لا ينجح غالبا. محاولات عديدة قيم بها من أجل كج "خنط أزبي" لكنها باءت بالفشل. لذلك فإن عملية الكج لا تعني أبدا أن الكاج أحسن من المكجوج..

منذ أسابيع ركبت مع سائق سيارة أجرة كان يفتخر على صاحبه أنه لم يلتزم أبداً بحظر التجوال أيام سريانه في الطرقات. كأنه يريد القول؛ بأن تصرفاته يمكن اعتبارها تدخل في نطاق "كج القانون". وفي المصالح الحكومية نجد الموظف يستنزف الوقت في أموره الخاصة تاركا المواطن تتنمل أرجله في الطابور كأنه يجد المتعة في كج المواطن. فما هو سر ولع الموريتاني بالكج واستمتاعه النفسي به؟

سبت, 23/10/2021 - 15:29