أكاديمية العم أردوغان السياسية

ياسر أبوغليون

بعيدا عن تمجيد اللحظة الانفعالية للتقزيم السياسي من قبل الرئيس أردوغان للدبلوماسية الغربية فهنالك برتوكول سياسي تركي من الثابت وبوجه لا يحتمل التشكيك أنه ينطبق عليه توصيف القراءة المغايرة لكتاب الأمير لميكافيلي بخصوصية تبتعد عن القراءة التقليدية وتطبيقاتها على أرض الواقع.
لم يمر وقت طويل حتى حصدت الدبلوماسية التركية أرقى النتائج ورأينا البيان الاعتذاري الصادر عن السفارة الأمريكية في أنقرة والذي يؤكد  على احترام اتفاقية فيينا المنظمة للعمل الدبلوماسي، ومنها المادة 41 التي تنص على احترام قوانين الدولة المستضيفة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
وحقيقة الأمر أننا لا نذيع سرا حين ننعت هذه الدبلوماسية التي ظهرت للعلن منذ سنوات بالحريصة على مناكفة الغير بدوافع تنبع من الهاجس الإمبراطوري التاريخي وهذه واحدة، أما الثانية فالتحولات الاقتصادية الكبرى التي نقلت البلاد إلى مصاف دول العالم الأولى، وبالأخص في سعيها الحميد لتحقيق رؤية عام 2023 وأهدافها المستقبلية، فتركيا كما قال أردوغان: عاجلا أم آجلا ستحقق هدفها في جعل البلاد ضمن العشرة الكبار من طليعة اقتصادات العالم.
بالتوازي مع ما سبق فإن النتائج المتحققة وعلى كافة الأصعدة، تأتي كدليل إضافي على مدى تأثير أزمة كورونا، والتي تكاد أن تكون في أقل مستوياتها فيما يتعلق بالأحوال الاقتصادية للمواطن التركي، وبالتالي فعجلة الاقتصاد بوصفها المحرك الأساس لمعيشة المواطن تسير بخطى ثابتة تقدمية نحو آفاق أرحب.
إزاء ما سبق يطرح السؤال نفسه: ما هو التفسير العملي للعصبية والتشنج السياسي الملازم للدبلوماسية التركية ونحن على أبواب رحيل العام 2021؟
ترى هل جاء كل ذلك كرد فعل طبيعي لرفض الغرب انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، على الرغم من تنازلاتها العديدة، مما أوجد نزوعا جديدا في التطبيقات السياسية، وبالتالي ما دوافع تساؤلات أردوغان: أي صورة لديكم عن بلدنا؟! هل نحن دولة قبيلة أم دولة مؤسسات وأعراف دبلوماسية!
كل هذا التأزم يصدر عن الدول العشرة المتدخلة في الشأن التركي والمطالبة بالإفراج عن عثمان قاوالا، وهي نفسها التي تحمي ازدواجية المعايير في السياسة الدولية بصورة أو بأخرى، وليس لأحد بالتالي أن يتدخل في الشأن التركي المتمثل بمحاكمة رجل أعمال متهم بالمشاركه في الانقلاب على الديمقراطية، وهذا بالتأكيد اعتداء سافر على القرارات السيادية التركية، وطعن في العزة والكرامة الوطنية.
وليس بعيدا عن أروقة العلاقات الدولية، فإن اتقان الأتراك لفن إدارة الأزمات السياسية والاحتكام إلى المسارات التشريعية والقانونية له ما قبله وما بعده، ولك أن تتخيل الكثير في هذا المقام، حين تدرك معرفة الأتراك بالموضع الذي تؤكل منه الكتف، وفن التعاطي مع أعراف المجتمع الدولي باحترافية سياسية دون انتظار التعاطف من أحد، وهو قطعا دليل على أنهم أي الأتراك لم يكونوا ليقدموا على هكذا خطوة لو لم يدركوا مسبقا طرق الخروج منها محتفظين بخط الرجعة، حتى وإن وصلت الأمور إلى حافة الهاوية فالانسحاب مقدور عليه في اللحظة المناسبة.
إن القائمين على أكاديمية أردوغان السياسية يدركون أنه ‏منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تتعامل بانتقاص مع بقية دول العالم إلى الحد الذي أصبح فيه منصب السفير يوازي الحاكم بأمره، إلا أن هذا لا ينطلي على الأتراك، لأن  ولأن الحال هنا وبكل بساطة يتعلق بقيادة تقتبس المرجعية الشعبية من مواطنيها، وليس من قيادات الحكم المطلق، هذا على الرغم من شيطنة النهج الأردوغاني ووصفه بالتشريع الأتاتوركي العلماني ونظام الحكم الوطني القومي الجمهوري غير اسلامي، وتصويره بالدونكيشوتي المنتج للخطاب الإنشائي الشعبوي كفقاعة إعلامية لا تتفق مع خطابات العالم الجديد.
قصارى القول إننا في المنطقة العربية لا زلنا نحبو في عالم  السياسة ونحتاج إلى الكثير لنتعلمه حتى وإن  بدا ظاهريا أننا اجتزنا تلك المراحل، فالأمور لا تقاس إلا بجوهرها

نقلا عن رأي اليوم 

ثلاثاء, 26/10/2021 - 12:44