كيف ننهي كعرب تيهنا؟؟!

التراد بن سيدي

لقد كرمنا الله تبارك وتعالى كعرب بتكريمه الذي كرم به بنو آدم فقال تعلى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) فنلنا نصيبنا من هذا التكريم وكرمنا الله تعالى وجل جلاله ببعث الرسول محمد صل الله عليه وسلم منا وفينا وبلساننا لكل البشرية وكرمنا سبحانه وتعالى بجعل كتابه العزيز القرآن العظيم بلسان عربي مبين ،
لقد جعل ربنا تبارك وتعالى في الإنسان العربي الأهلية والقدرة لاستقبال فيض نعمه وأفضاله ومننه لعظيم المهام التي أناطها به بحمل الرسالة ونور الهدى لبني الإنسان أين كان وكيف ماكان وفي كل مكان وجعل جدارته وأهليته نقية طاهرة خالية من الكبر مبرأة من الأستعلاء بجعله الكرمية والفضلية بالتقوى - فقط- لا بنسب أو جاه ولا بنشب أو مال بقوله تعالى: ( إن اكرمكم عند الله اتقاكم) وقول الرسول صلعم ( لافضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لاحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى) لقد انتشر الإسلام كانتشار الضوء مكتسحا بمثله وقيمه ونقاء هديه قبل كل شيء وإذا اقتضى الأمر قتالا فبكتائب بسيطة خفيفة أكثرها مشاة مؤيدة بنصر الله تكتسح جحافل الجيوش الجرارة المزودة بأقوى عتاد عرف ذلك الوقت وأقوى تنظيم وتدريب للجيوش فكانت تلك الجيوش تبدو كالجبال تتقدمها الفيلة لايكاد آخرها يلحق بأولها تتهاوى ويتم اكتساحها بقوة أقل تسليحا وعددا لكنها أكثر إيمنا وثقة بالحق الذي تحمل فكان نصيب إمبراطوريتي الفرس والروم الهزيمة والانكسار في جميع المعارك الرئيسية التي لم تتكافأ فيها القوة في أية موقعة وفي كل المواقع انتصر حاملي رسالة الحق والعدل على جيوش الإمبراطوريتين فحسم المسلمون النصرة في معارك القادسية في فارس واليرموك في الشام ضد الرومان في سنة واحدة السنة ال١٥ للهجرة!!
واستمرت الأنتصارات في كل المعارك واستمر الإسلام يتوسع وأفواج البشر يتلقفونه بفرح رغم معادات الملوك ومقاومتهم دفاعا عن امتيازاتهم و فشلت محاولات كل الأعداء لوقف المد الإسلامي فكان النصر دائما حليف المؤمنين أحيانا ينتصر مبتدؤون في قوارب بحرية لم تكن خبرتهم فيها طويلة على الأساطيل الكبيرة ذات التاريخ العريق في الخبرة البحرية كما حدث في معركة ذات الصوارى سنة ٣٥ للهجرة بين سفن مسلمة والبحريية البزنطية العريقة وتم فيها النصر للعرب المسلمين ومثل معركة طارق ابن زياد عندما انتصر بكتائب مشاة خفيفة ضد جيوش الذريق كاملة التجهيز بالخيول شديدة التدريع سنة ٩٢ هحرية والأمثلة كثيرة جدا!!
ولقد كان التعريب يسير خطوة بخطوة بسهولة وسلاسة مع كل التوسع الذي يحققه الإسلام فتعربت كل الشعوب في وقت قياسي تعرب سكان مصر والشام والكثير من الفرس و أهل جزيرة إبريا في الاندلس تعرب الجميع دون جهد أو استعمال قوة لأن العروبة باللغة والثقافةو لم تكن يوما بالنسب أوالأصل وبمجيئ الإسلام اكتملت عناصر التعريب بواسطة اللغة يتم استيعاب الدين والثقافة والقيم ويتم اكتمال الشخصية الجديدة هذا هو سر التوسع الهائل للتعريب في المناطق التي دخلها الإسلام ..
إن الانتماء للعروبة باللغة والثقافة يوضحه بشكل كامل مثالان:
أولا أن الرسول العربي صل الله عليه وسلم نفسه متعرب لأنه من عدنان المتعربة لا من قحطان العاربة.
ثانيا:اللغة العربية التي نزل بها القرآن والتي قال الله تعالى أنه بلسان عربي مبين هي اللغة السائدة عند المتعربين العدنانيين من تميم وهوازن وكنانة وقريش وليست لغة العرب العاربين أهل اليمن فلم تكن العروبة تتأتى من النسب والأصل الدموي وإنما من اللسان وبحمل الرسول العربي رسالة الإسلام للعالمين وتنزل الكتاب بلسان عربي اصحب الدين الإسلامي واللغة العربية يجسدان أداة التعريب الحاسمة فحيث يصل لسان العرب ودين الإسلام تبلغه العروبة وثقافتها وقيمها فأدى هذا الوضع إلى طفرات من التطور المذهل في التعريب وفي استيعاب وتمثل المتعربين ثقافات كل الحضارات التي كانت في محيط انتشار المد الإسلامي العربي فكان هذا الكم الهائل من العلماء في كل مجالات الحياة من فقه ونحو وأدب و طب وحساب وكيمياء وفلسفة .
لقد ارتبط تشكل وانبعاث الأمة العربية من ثنائي اللغة والدين الإسلامي لامن الأصل السلالي والدمائي كما هو الحال عند الغربيين فالسلاف والآريين والنورمانديين والفندال الأوروبييين، يشكلون أصولا وسلالات تنحدر منها قومياتهم لأن التشكل القومي للأوربيين يختلف كلية عن التشكل والتطور والأرتقاء العروبي، فالأمة العربية لم تعتمد في تاريخها حتى ماقبل الإسلام -كما أوضحنا- على النسب والأصل مما جعلها بعد الإسلام يجرى توسعها في التعريب بالتوازي مع التوسع في انتشار الإسلام..
و ظل التعريب يتوسع ويتعمق طيلة التاريخ رغم ضخامة أحجام الشعوب التي دخلت الإسلام فتعرب الكثيرون من الفرس وكذلك الكرد والشركس وتعرب أكثرية البربر التي يعتبر البعض أنهم من أصول عربية، وبعض "التكرون "وفئات واسعة أخرى من مختلف الشعوب التي تم الاحتكاك بينها وحاملي ملة الإسلام وقرآنها وتعاليم دينها الذي ظل يتطلب تعليم اللغة العربية لفهمه ولدواع التعامل والمساكنة فاالمسيحيون في مختلف الأقاليم والصابئين وأقليات كثيرة أخرى تعلموا اللغة العربية وتعرب أكثرهم !!
لقد عاشت الأمة فترات ارتفاع وانخفاض ومد وجزر في تطور المعارف والتجارب وفي التفاعل مع المحيط ومرت بالأمة فترات حالكة مظلمة كسقوط الاندلس والهجمة الهمجية للتتار على المشرق وعاصمة الخلافة العباسية والحملات الصليبية وفترة الحكم العثمانية التي رغم توسع الفتوحات داخل أوروبا وفتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح ٨٥٧ هجرية١٤٥٣ ميلادية بعد صمودها أمام محاولات المسلمين فتحها قرابة الثمان قرون!!!
فلم تكن فترة الحكم العثمانى رغم الفتوحات التي تحققت في القسطنطينية وفي أوروبا فترة ازدهار الثقافة أوالتوسع في نشر العلم والتعريب.
ولقد شكل غزو نابليون لمصر سنة١٧٩٨-١٨٨١ الصدمة التي حركت جسم الأمة وبعثت فيها الحركة ولكنها لم تضمن توجها واضحا جديا يعيد التوجه لإحياء التراث الأصيل للأمة بما يتضمنه من عناصر إيجابية نهضوية عقلانية عروبية إنسانية فافترقت الآراء التي تأثرت بحملة نابليون إلى من يسعى لتقليد الغرب في الصناعة وتقوية الجيوش وهذا الأتجاه تبناه محمد عالي وبعض المثقفين المصريين وتوجهوا لاستلهام أفكار التيارات الأوربية القومية التي وحدت إطاليا وألمانيا وكانت هذه الفئة المتأثرة بالأفكار القومية من بينها بعض المثقفين المسيحيين في الشام الذين لم يكونوا سعداء مع الحكم التركي الذي كان ينقصه التفتح وهذا التيار هو الذي استمر تأثيره التنويري وكان منه أدباء المهجر وجرجي زيدان ومؤسسي أوائل الصحف في مصر والشام حتى ظهرت التوجهات الأكثر وضوحا بعد الحرب العالمية الثانية كحركة البعث بمؤسسة مشيل عفلق والحزب القوميي السوري بمؤسسه أنطون سعادة لقد كانت أخطر الهزات التي أعقبت حملة نابليون هو زرع إسرائيل مع بداية القرن العشرين لقد كانت مشكلة فلسطين عاملا رئيسيا في كل الأضطرابات وتعدد الأتجاهات وكان لها دور في تنمية التوجهات "القومية الشعاراتية "والتي كانت نتيجة تعدد الاتجاهات الماركسية التي بدأت في وقت مبكر بعد نجاح الثورة البلشفية في الأتحاد السوفياتي وقوت وتمددت بعد النصر على النازية في آخر الاربعينات .. والذي كان للأتحاد السوفياتي دور رئيسي فيه لقد بدأت الحركات القومية تؤثر على الشباب في أول الخمسينات وكان حدوث ثورة ١٩٥٢ في مصر و وضوح توجه عبد الناصر القومي بمثابة دفعة جديدة وقوية لهذه القوة التي بدأت تتوسع وتنتشر في كل الأقطار لقد تجاوب الشعب كثيرا رغم الجهل والأمية وظهر أن جماهير الأمة متعطشة وتحلم بواقع غير الذي تعيش لكن الروتين ومشاكل الحكم ومآمرات الأعداء المستمرة وضعف النضج العام كلها عوامل حدت من حجم التقدم والإنجاز ففشلت الوحدة الأولى التي قامت بين مصر وسوريا ثم انقلب شباب البعث في سوريا على قيادتهم ومؤسسي حزبهم بحجة عدم ثوريتهم!! ثم حدثت مرحلة التغيرات السريعة في العراق بعد الإطاحة بالنظام الملكي نتيجة الصراع بين القوة التحررية والقومية واستمروا يتبادلون الأدوار حتى حلت نكسة ١٩٦٧ وكانت بمثابة زلزال اقتلع من رؤوس الكثيرين ثوابت كان يعتقد رسوخها وظهر ضعف الأسس التي انبني عليها وعي القوميين العرب وشعاراتهم الجوفاء عندما تخلوا زرافات ووحدانا عن القومية وأبدلوها بالماركسية اللينينية في المشرق وبالماركسيةالماوية في موريتانيا، لقد كشف هذا التخلي الجماعي عن القومية الضعف في الأسس التي انبنى عليها التنظير الذي كان ينبع عند مفكري القومية العربية الذين استلهمو أفكارهم من تجارب القوميين الأوربيين من محاولة استنساخ التجارب الأوربية، وفي نفس الوقت اتضح ضعف بنى المجتمع الثقافية والإعلامية وهشاشة العلاقات مع الجماهير وظهرت الحاجة لتغييرالأشكال والأساليب السائدة وتبني أشكال وأساليب جديدة !!!
ولقد كان قيام نظام البعث في العراق وأنظمة ليبيا والسودان بالإضافة لنظام اليمن الذي قام في الشمال في أوائل الستينات وفي اليمن الجنوبي في أواخر الستينات بالإضافة إلى قيام نظام الجزائر سنة ١٩٦٢ كل ذلك شكل إشارات قوية إلى التحفز والاستعداد للتغيير داخل الأمة لكنه لم يبلغ من النضج والتأثير مايتطلبه الواقع فكانت أغلب التجارب دون مستوى التحدي ومتطلبات الواقع..
لقد كان النقص الرئيسي الذي لم يتم علاجه حتى انهارت كل التجارب هو نقص وضوح الرؤية حول الغايات وتكييف الوسائل لتناسب تلك الغايات لقد كانت الشعارات مرتفعة السقف والأهداف المعلنة كبيرة وبعيدة المنال في الوقت الذي كانت الوسائل بسيطة ومشتتة في مجهود ضائع في الصراعات الداخلية ، بين أطراف النظام الواحد و بينه وباقي الأنظمة ذات التوجه التحرري في تنافس عقيم أضر بالجميع وهيأ الأجواء للتخلص منهم جميعا من طرف من يخططون ويعملون بجد لمنع أي نهوض أوتقدم للأمة ،لايمكن لأحد التشكيك أو التقليل مما أنجزته الأنظمة القومية التحررية مع تفاوت ذلك ..
فلقد حقق نظام عبد الناصر إنجازات ضخمة على مستوى الزراعة والإصلاح الزراعي بتوزيع الأراضي على الفلاحين وتزويدهم بالوسائل لاستغلالها وتقديم الخدمات الصحية وتوفير التعليم وبناء قاعدة صناعية ضخمة وتأميم قناة السويس وبناء السد العالي وبلورة خطاب وحدوي حرك ساحات الأمة كلها لكن الثغرات الكثيرة التي لم تسد مكنت من استمرار الهشاشة التي سهلت القضاء على كل المنجزات من طرف رفاق الدرب الذين لم يكن لتنازلهم حدود !!ووقع نظامعبد الناصر في أخطاء كان الاجدى تجنبها أولا: ردود الفعل القوية على الإخوان المسلمين وإعدام عناصر من ضنهم السيد قطب اضر بالوضع الداخلي ثانيا: التدخل عسكريا في اليمن اضر بقوة الجيش المصري وعرضه لا ستنزاف خطير ثالثا: حالة الاستعداد في حزيران مكنت إسرائيل من نصر سهل أضر كثيرا بالحالة المعنوية لجماهير الأمة.
ولقد حقق نظام البعث في بغداد إنجازات صخمة عندما حرر الثروة النفطية ووزع الأراضي على الفلاحين وأنار الأرياف ومحى الأمية في فترة قياسية بشهادة المنظمات الدولية وبنى قاعدة علمية متميزة وقاعدة صناعية متطورة و وفر الخدمات صحية والرعاية الأجتماعية المتطورة ووفر بنى تحتية قوية وأسس نظام حكامة رشيد جعل العراق يدخل العصرنة من أوسع أبوابها كل ذلك وأكثر أنجزه نظام العراق لكنه وقع في أخطاء أضرت بمتانة النظام واستقراره واستمرار إنجازاته مما ساعد الأعداء على بلوغ غاياتهم دون صعوبة تذكر
أولا: كانت المشاكل الداخلية وردود الفعل عليها في غاية السلبية وتسببت في تصفية الكثير من قادة الحزب وكوادره بما فيهم الدكتور منيف الرزاز وعبد الخالق السامرائي هذه الأحداث أضرت بقوة الحزب ثانيا: أن المبالغة بالعداء للحزب في سوريا وللقوة التحررية في ليبيا والثورة الفلسطينية أضرت بوحدة النضال وسهلت على الأعداء تآمرهم ،
ثالثا: إن طرد العراقيين المتهمين بأصولهم الآيرانية سنة ١٩٧٩ أعطى قوة هائلة لخصمه لقد أمد إيران والمعارضة العراقية بقوة يحتاجانها للتأثير في الواقع العراقي و خلقت مشكلة عميقة ذات مدى سيستمر طويلا ويمنع قيام عراق موحد ومنسجم رابعا: لقد مثل احتلال الكويت عملا لايمكن تصور وقوعه .. لقد قضت أخطاء قليلة على منجزات عظيمة !!!
ولقد كان للقذافي إنجازات منها النهر الصناعي ومنها تمتع المجتمع الليبي بخدمات ومستوى حياة جيدة وكان للقذافي فضل اكتشاف عمق العلاقات العربية الإفريقية وقد يكون من أسباب محاربته وتصفيته خطورة توجهه الأستراتيجي لتعميق هذه العلاقة التي تشكل مخرجا للكيانيين العربي الإفريقي من الضعف و التبعية ولقد كان للقذافي آراء عميقة في أمور كثيرة لم يلتفت إليها لبعدها من تفكير الكسالى فقد أورد رئيا حول المطالبة بوحدة الدولة الفلسطينية الإسرائيلية التي لم تفهم من طرف العرب ولن تقبلها إسرائيل لأنها بداية النهاية لها لأنها تضع الفلسطينيين في وضع ديمغرافي مريح وسيستمر يتطور حتى يكونوا كشعب جنوب إفريقيا يصبح الحكم للأكثرية !!
وله أخطاءكان لها تاثيرهاأولا: لقد صفى رفاق سلاح من الوحدويين الاحرار كانو معه في حركة الفاتح من سبتنبر ١٩٦٩ وكان منهم نائبه تخلص منهم عند علمه بأنهم بعثيين!! ثانيا: كنت ومحمد يحظيه بن بريد الليل في زيارة لغنائم الحرب التي لايحبها احد التي جرت بين إيران والعراق ثمان سنوات وقد الطلعت على مئات الدبابات وعشرات المدافع الثقيلة من مختلف الصنوف هدية من القذافي لإيران ورغم سوء الحرب بين الطرفين كان تصرف القذافي غير ماينتظرفي نظرى!! ثالثا: لقد كان موقفه من التحزب مبالغا فيه وأضر بجسور تواصل كثيرة مع قوى كثيرة.
رحم الله مناضلي الأمة وتقبل منهم ماقدموا لصالحها فقد عملوا ما أمكنهم والخطؤ رفيق اي عمل وتركوا للأجيال لتكمل الرحلة وتستخلص الدروس فإن يصححوا ويكملوا فسيرون أنهم مطالبون برؤيا أوضح وأعمق لأسس النهضة وأدواتها أو يستمرون يدورون على نفوسهم ويرجعون ليس من مجال للإبداع فلن يكون أفضل مما كان وليت كذا كان وليت كذا لم يكون فهنا يكون الأستمرار في التيه لأن ماكان لن يكون مرة أخرى ولن يفيد التحسر والتمني فدولاب الحياة يدور وبسرعة مذهلة لأن السكون موت والموت نهاية!!!

سبت, 06/11/2021 - 11:05