النهج الأسلم لمواجهة «كوفيد-19» ومتحوراته

جيفري كمب

تعرَّف علماءٌ من جنوب أفريقيا في الثامن من نوفمبر المنصرم على سلالة جديدة من «كوفيد-19»، هي المتحور «أوميكرون». وانتقلت سريعاً هذه المعلومات، ومعها معلومات عن التسلسل الجينومي للمتحور واحتمالية عدواه الشديدة وقدرته الأكبر على الانتشار مقارنة بالسلالات السابقة. وما إن تم اكتشاف حالات جديدة في أوروبا وكندا، حتى سارعت قوى عظمى، مثل الولايات المتحدة واليابان (وهما دولتان لم تكونا قد اكتشفتا بعد أي حالات من المتحور في أراضيها)، إلى حظر كل الرحلات الجوية الدولية من الدول الست في منطقة الجنوب الأفريقي ككل.
صحيح أن هذه الإجراءات الصارمة التي تأتي في ذروة موسم العطلات قد يكون لها بعض التأثير في إبطاء انتقال الفيروس، لكن الضرر السياسي المتمخض عن مثل هذه الإجراءات المفاجئة والشاملة، خطير للغاية وربما يجعل التعاون الدولي في المستقبل أكثر إشكالاً. ويمكننا تفهّم الغضب والحنق الذي عبّر عنه زعماء جنوب أفريقيا. ولدينا هنا حالة فيها مجموعة من الدول التي هي بحاجة ماسة إلى المساعدة في تحسين شبكاتها الصحية، لكنها اتبعت القواعد وتحلّت سريعاً وبفعالية بالشفافية في الكشف عن معلومات حول سلالة جديدة. غير أن هذه الدول لم تجد إلا العقاب جزاءً على أمانتها. فبدلاً من حظر الرحلات إلى منطقة جنوب أفريقيا، كان يجب على الدول الغنية أن تنقل جواً على الفور ملايين الجرعات من اللقاحات إلى المنطقة وتعد بتقديم ملايين أخرى من جرعات اللقاحات من دون مقابل أو بمقابل زهيد.
والواقع أن الطريقة الوحيدة لاحتواء فيروس «كوفيد-19»، وسلالاته التي تتزايد دوماً، هي التأكد من تلقي معظم الناس على الكوكب جرعةَ لقاح أو أكثر. وسيظل هناك دوماً بعض الرافضين الذين لن يقبلوا اللقاح لأسباب دينية أو سياسية أو من نوع آخر، لكن إذا تقلصت نسبة الرافضين إلى حدها الأدنى، فمن المحتمل أن تتحقق درجة ما من مناعة القطيع. ويتعين أن يكون هذا هو الهدف الذي لا يمكن تحقيقه، إلا إذا اتحدت الدول المتقدمة حول الهدف المشترك المتمثل في نشر اللقاح إلى كل ركن في الأرض باستخدام القدرات اللوجستية التي تمتلكها هذه الدول.
ورغم القبول العام بأن هذا النهج هو الأكثر فعالية بفارق كبير للتغلب على الفيروس على نطاق عالمي هائل، مازالت الشكوك قائمة بشأن مقدار ما قد يتحقق من التعاون والشفافية الضروريين. فقد كشف السجال بين أميركا والصين ومنظمة الصحة العالمية، في بداية عام 2020، عن تلكؤ الصين في تقديم بيانات عن أصل الفيروس. وزعمت إدارة ترامب أن الصين لا تقدم الحقيقة عن فيروس نشأ وانطلق من عقر دارها. ثم نشب سجال بين إدارة ترامب ومنظمة الصحة العالمية حين ألقى فريق من الإدارة باللائمة على المنظمة لعدم تحليها بصرامة أكبر مع الصين لتقدم معلومات صحيحة عن تفشي الفيروس.
وداخل الولايات المتحدة، أصبحت كيفية التعامل مع أزمة «كوفيد-19» قضية سياسية مريرة وشديدة الحزبية، وانتشر الخلاف في كل مكان، من البيت الأبيض إلى مجالس إدارات المدارس المحلية. وثار الجدل بشأن أسئلة مثل: متى يتعين وضع الكمامات؟ هل الأمر بوضع الكمامات قانوني؟ هل يمكن تنفيذه؟ هل المسائل القانونية مختلفة في المؤسسات الاتحادية عما هي عليه في مؤسسات الولايات والإدارات المحلية؟ أي الصناعات الخاصة التي يمكنها تنفيذ أمر ارتداء الكمامات أو المطالبة بدليل على تلقي اللقاحات؟ وفي كثير من المناطق التي يغلب عليها المحافظون، يُعتبر عدم وضع الكمامات دليلاً على التحدي لإدارة بايدن التي تبنّت سياسات إلزامية أشد صرامة عن تلك التي طبقتها إدارة ترامب.
ومن الواضح أن هناك تشابهات بين وضع سياسة عالمية موحدة وفاعلة لإنهاء الجائحة والمساعي التي ظهرت قبل أسبوعين في سبيل التوصل إلى اتفاق آراء في قمة الأمم المتحدة للمناخ في جلاسكو لكبح ظاهرة ارتفاع حرارة الكوكب. ومن الناحية النظرية، قد يكون التوصل إلى اتفاق آراء بشأن الجائحة أسهل من جهود تقليص استهلاك الوقود الأحفوري. وفي كلا الحالتين، ستصبح الجهود أكثر جدوى إذا اضطلعت الولايات المتحدة والصين معاً بدور القيادة. وإذا لم تستطيعا القيام بهذا الدور أو لم ترغبا فيه، فسيبدو الأفق كئيباً أكثر من ذي قبل.

*نقلاً عن "الاتحاد"

اثنين, 06/12/2021 - 11:03