عن خطاب الرئيس في مدينة وادان

محمد الأمين ولد الفاضل

لقد افتتح رئيس الجمهورية خطابه في النسخة الأخيرة من مهرجان مدائن التراث بالإشادة بمدينة وادان وبقدرتها على البقاء لحقب متتالية كمركز اقتصادي، وجسر تواصل، وإشعاع حضاري، وكان ذلك ـ وكما جاء في الخطاب ـ بفضل :

1 ـ عبقرية علماء المدينة وعلو هممهم وغزارة علمهم؛

2ـ الإبداع الفائق لأبناء المدينة القائمين على مختلف الخدمات من صناعة تقليدية وتنمية حيوانية أو زراعية وتشييد عمراني وغير ذلك..طبعا الترقيم وفصل النقطتين كان من عندي.

هذا هو ما تضمنته الفقرة الأولى من خطاب الرئيس، والتي أكدت أن ما تميزت به وادان من ثقافة ونهضة عمرانية كان نتاجا للعمل والعمل.

بعد ذلك توقف الرئيس مع قيمة العمل، فأشاد في خطابه بالفئات التي قهرت الطبيعة، والتي لولا جهودها الأسطورية لما تشكلت المدينة أصلا، ولما صمدت في وجه عاديات الزمن، وجعل الرئيس من الإشادة بجهود تلك الفئات التي قهرت الطبيعة مدخلا ذكيا للحديث عن الوحدة الوطنية، كما جعل منه مناسبة للتعبير عما يحز في نفسه بسبب ما تعرضت له تلك الفئات تاريخيا من ظلم ونظرة سلبية، مع أنها في ميزان القياس السليم ـ وحسب الخطاب دائما ـ كان  ينبغي لها أن تكون على رأس الهرم الاجتماعي فهي في طليعة بناة الحضارة والعمران وهي عماد المدنية والابتكار والإنتاج.

يتضح من ذلك، وهذا ما أشار إليه الخطاب، أن المجتمع الذي ينظر نظرة سلبية لتلك الفئات المنتجة إنما ينظر أيضا وبشكل سلبي للعمل والإنتاج، فكيف يمكننا أن نتصور نهضة في مجتمع يزدري العمل ويقلل من قيمة الفئات المنتجة؟  
ولاستحالة ذلك، فقد دعا الرئيس بشكل واضح جدا وصريح جدا إلى ضرورة تطوير موروثنا الثقافي وتخليصه من رواسب الظلم الشنيع، والأحكام المسبقة، والصور النمطية التي تناقض الحقيقة، وتصطدم بقواعد الشرع والقانون، وتضعف اللحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية، وتعيق تطور العقليات وفق ما تقتضيه مفاهيم الدولة والقانون والمواطنة.
‏‏ ولم يتوقف الرئيس هنا بل دعا كافة المواطنين ، وبعبارات أكثر وضوحا وأشد صراحة، إلى ضرورة  " تجاوز رواسب هذا الظلم في موروثنا الثقافي وإلى تطهير الخطاب والمسلكيات من تلك الأحكام المسبقة والصور النمطية الزائفة. كما دعاهم أيضا إلى "الوقوف في وجه النفس القبلي المتصاعد هذه الأيام، والمنافي لمنطق الدولة الحديثة ولما يقتضيه الحرص على الوحدة الوطنية، وكذلك لمصلحة الأفراد أنفسهم، فليس ثمة ما هو أقدر على حماية الفرد وصون كرامته وحقوقه من وحدة وطنية راسخة في كنف دولة قانون حديثة."

وإذا ما حاولنا أن نلخص هذا الخطاب في نقاط سريعة، وبالمناسبة فإن الخطاب كان في غاية الاختصار والتركيز، وتلك واحدة من نقاط قوته، فإذا ما حاولنا أن نلخص الخطاب في نقاط سريعة، فسيكون ذلك على النحو التالي:

1ـ أنه قد آن الأوان لتطهير موروثنا الثقافي مما شابه من على مستوى الخطاب والمسلكيات من أحكام مسيئة ومن صور نمطية مزيفة؛

2ـ أن مصلحة المواطنين، كل المواطنين في ذلك، فدولة القانون هي وحدها القادرة على حماية المواطن، وصون كرامته وحقوقه؛

3ـ أن هناك ضرورة ملحة لوقوف الجميع ضد الخطاب القبلي والشرائحي والمناطقي الذي عرف في الفترة الأخيرة تصاعدا مقلقا؛

4ـ أن الدولة ـ وهذا نص ما قاله الرئيس ـ  ستظل حامية للوحدة الوطنية والكرامة وحرية ومساواة جميع المواطنين بقوة القانون وأيا تكن التكلفة.

تنبيه : تأخر التعليق على الخطاب بسبب غياب الانترنت في وادان خلال أيام المهرجان، وتلك واحدة من نواقص المهرجان التي يجب أن يتم التغلب عليها مستقبلا.

حفظ الله موريتانيا... 

أربعاء, 15/12/2021 - 12:48