عولمة الأجيال الناشئة

رحمة الأحمد

خلال اجتماع عائلي طلبت مني ابنة أختي التي تبلغ من العمر ثلاث عشرة سنة أن أساعدها في عملية فنية لضبط إعدادات جوالها على خاصية معينة، وجدت أن اللغة المستخدمة لجوالها غريبة عني ولم أعهدها مسبقا في استخدام هذا الجهاز، حيث أن اللغات الشائعة إما العربية أو الإنجليزية. حين سؤالي لها عن هذه اللغة فاجئني جوابها أنها اللغة الكورية، في تلك اللحظة دُهشت وغمرتني مشاعر السعادة والافتخار بهذا الاهتمام في عمر مبكر لابنة أختي، دار بيننا حديث عن هذا الاهتمام المُلفت للانتباه ووجدت أنها تتعلم هذه اللغة ذاتيا بدون أي دعم لتنمية هذه المهارة حتى تتمكن منها، انتهى حديثنا بتشجيع مني وتزويدها بنصائح تعليمية للاستمرار في هذا التقدم.

عاد هذا المشهد في ذهني بالتزامن مع حفل الفرقة الكورية المقام مؤخرا ضمن فعاليات موسم الرياض وحيث وجدت شخصياً غضب مشترك ومعارضة كبيرة لعدد من الأهالي عن حضور أبنائهم لمثل هذا النوع من الفعاليات معللين ذلك بأنها ثقافة دخيلة ونوع من الغزو الفكري الذي يُخشى على الجيل الناشئ منه وكأنها ثقافة ملوثة وسامّة، وهنا كانت المفارقة حيث أننا تقبلنا الثقافات الأخرى بدءًا من ثقافة الغرب متمثلة باللغة الإنجليزية على وجه التحديد، وعلى سبيل المثال لا الحصر أصبحت هذه اللغة اليوم مهارة أساسية يجب على الفرد منا أن يتقنها للحصول على مزايا وترقيات في مجاله المهني، وصولا إلى الثقافة الصينية والتي تم إدراج لغتها مؤخرا في المناهج التعليمية ضمن خطة التعليم في المدارس والجامعات لتعميق الشراكة الاستراتيجية مع الصين، أذكر هذا هنا مع التحفظ على الفارق للأهداف الاستراتيجية بين هذه الثقافات والثقافة الكورية.

خلاصة القول، إن الانفتاح على مختلف الثقافات مطلب عصري لا بد منه في ظل الثورة التقنية التي ربطت شرق العالم بغربه وشماله مع جنوبه، مقاومة هذا الانفتاح غير مجدية ولا بد أن نكون أكثر مرونة في معايير تربية أبنائنا ومشاركتهم اهتماماتهم والعمل على سد الفجوة الثقافية والفكرية بيننا واحتوائهم لضمان الترابط بين الأجيال، نحن من يقود الجيل الناشئ ولا مفر من دورنا كمربين في التحكم بالمسار الثقافي والتربوي حتى نجتاز سوياً موجة هذا التغيير المفاجئ ونصل مع أبناؤنا للضفة الأخرى من النهر بثقة وبمخرجات نفاخر بها في المستقبل.

نقلا عن الرياض

ثلاثاء, 18/01/2022 - 16:33