الجزائر تشدّد دبلوماسيتها مع إسبانيا في مجال الغاز

تتجه الجزائر إلى مراجعة علاقاتها مع إسبانيا في قطاع الغاز وفي مجالات أخرى بعد تفاجئها بإعلان مدريد دعم خطة المغرب الخاصة بقضية الصحراء الغربية. وفي سياق توتر دبلوماسي بين البلدين أعلنت شركة سوناطراك أنها لا تستبعد مراجعة أسعار الغاز المُصدّر إلى إسبانيا، فيما يتوقع مراقبون أن تليها إجراءات "عقابية" أخرى لما تعتبره الجزائر "خيانة".

نقلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية يوم الجمعة 1 أبريل/نيسان 2022 عن الرئيس التنفيذي لشركة النفط والغاز الوطنية الجزائرية سوناطراك توفيق حكار قوله "منذ بداية الأزمة في أوكرانيا، انفجرت أسعار الغاز والبترول. وقد قررت الجزائر الإبقاء على الأسعار التعاقدية الملائمة نسبيا مع جميع زبائنها. غير أنه لا يستبعد إجراء عملية مراجعة حساب للأسعار مع زبوننا الاسباني".

هو موقف لم يُحدث المفاجأة كونه جاء بعد تصريحات رسمية سابقة عن الأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية، شكيب قايد، الذي قال خلال تواجده في العاصمة الإيطالية روما يوم الاثنين الماضي "من الواضح أن الجزائر ستراجع كل الاتفاقيات" مؤكدا أن إسبانيا لم تُبلغ الجزائر بما تعتبره "انحرافا في السياسة الخارجية لمدريد" وأضاف "نحن مندهشون للغاية من هذا التغيّر غير المبرر".

وفي خطوة ألغت بها الحياد الذي كانت تلتزم به حيال قضية الصحراء الغربية، رجحت مدريد الكفة لجهة الرباط  يوم 18 مارس /آذار الماضي، بدعمها خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لإدارة إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة البولساريو مدعومة من الجزائر.  

وتربط بين إسبانيا والجزائر اتفاقيات غاز "بعيدة المدى وبأسعار تفضيلية لأنها بكميات منتظمة وكبيرة" وبالتالي فإن تغيير السعر "سيكون صعبا" بحسب ما أفاد به الكاتب الصحفي علي بوخلف متحدثا لمونت كارلو الدولية ولكنه يتوقع أن الجزائر "ستطلب إعادة الاتفاقيات وتريد تطبيق ذلكن حسب الصحفية الإسبانية والمعلومات الموجود في جزائرية، ابتداء من 2024، أي بداية المحادثات حول اتفاقيات أخرى في المستقبل".

 

في نفس السياق ذكّر علي بوخلف أن الجزائر لم تُدرج إسبانيا في جدولها الجديد الخاص بالرحلات الجوية الدولية التي رفعت من وتيرتها مؤخرا، علما أنه كانت تربط أربعة مطارات بين الجزائر والمدن الإسبانية.

الكاتب الصحفي الجزائري علي بوخلف

ولم يستبعد الكاتب الصحفي علي بوخلف صدور إجراءات "عقابية" أخرى من قبل الجزائر. فيما تحدثت صحف إسبانية عن قرار الجزائر مؤخرا وقف استقبال رعاياها من المهاجرين غير الشرعيين الذين ترغب إسبانيا بطردهم من أراضيها.

هل تقدر الجزائر على تعويض أوروبا عن الغاز الروسي؟

في رده على سؤال عما إذا كانت الجزائر قادرة على أن تُصبح بديلا لروسيا في تصديرها للغاز إلى أوروبا أجاب المدير التنفيذي لشركة سوناطراك، توفيق حكار، بالقول "نتوفر حاليا على بعض المليارات (من المليارات المكعبة الإضافية) التي لا يمكن أن تستخلف الغاز الروسي".

في المقابل "ومن خلال وتيرة استكشافاتنا فإن قدراتنا ستتضاعف في غضون أربع سنوات مما ينبئ بآفاق واعدة مع زبائننا الأوروبيين".

تأتي تصريحات المسؤول الجزائري بعد أيام من زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الجزائر عقب مروره بالمغرب، لتقييم تأثير الحرب الأوكرانية على التوازنات في منطقة شمال أفريقيا عموما وبحث سبل حلّ جزائري في ملف الإمدادات بالغاز إلى أوروبا كبديل للغاز الروسي.

في هذا السياق قال السيد علي بوخلف إن "الولايات المتحدة تريد إقحام الجزائر في زيادة أوروبا الجنوبية بالغاز الطبيعي لتعويضها عن الكميات الروسية" وأضاف أن ذلك يبدأ برفع إنتاج الجزائر ولو أن الجزائر ليست لديها إمكانيات كبيرة لرفع إنتاجها".

وتابع علي بوخلف أن "هناك مصانع لم تشتغل منذ زمن طويل وتريد الولايات المتحدة مساعدة الجزائر على إعادة تشغيلها" زيادة إلى "ربما الغاز الصخري الذي تمتلك منه الجزائر كميات كبيرة".

الكاتب الصحفي الجزائري علي بوخلف

يذكر أن الجزائر تزوّد أوروبا بحوالي 10 بالمائة من حاجاتها من الغاز والحديث عن رفع انتاجها للتعويض عن الغاز الروسي موضوع حساس بالنظر للعلاقات التي تربط الجزائر بروسيا، فالجزائر "لا تريد أن تُغضب روسيا التي هي حليفها الجيوستراتيجي في أوروبا" حسب تعبير علي بوخلف. 

الباحث حسين جيدل:

 
في الوقت الذي تتبنى كل الدول المنتجة للغاز استراتيجيات وتوسيع نفوذ...نحن نقوم بكسر ما لنا من علاقات مع الدول الأوروبية، نقوم بتقويض العلاقات الاقتصادية التي تربطنا بهذه الدول وقبلها يربطنا الجوار وتربطنا الجغرافيا أحببنا أم كرهنا

واعتبر الباحث في الأنثروبولوجيا السياسية الجزائري حسين جيدل أن التصريح باحتمال مراجعة سعر الغاز مع إسبانيا، حتى لو لم يُنفذ فإنه يبعث "برسائل خاطئة" و"يعطي صورة سيئة للجزائر" مضيفا أنه "سينسف الثقة التي هي بين الجزائر وبين بقية الدول" ومنح الانطباع بأنه يمكنها "أن تتنصل من التزاماتها...وأنه بإمكانها أن تستعمل الغاز كوسيلة من وسائل الإبتزاز".

وتابع السيد حسين جيدل أن "معاقبة إسبانيا على موقفها من الصحراء الغربية يعطي الانطباع بأنه لا توجد استراتيجية فيما يتعلق بالطاقة أو بالعلاقات الخارجية" مشيرا إلى أن الجزائر تزيد من "انكفائها" و"عزلتها" في الوقت الذي تتبنى فيه دول أخرى منتجة للغاز "استراتيجيات وتوسيع نفوذ واكتساب تحالفات وتمتين علاقات" بالتموقع من جديد من خلال الطاقة "لتكسب نفوذا جديدا ولتؤكد مواقفها".

الباحث في الأنثروبولوجيا السياسية الجزائري حسين جيدل

ووصف السيد جيدل خطوة الجزائر ب"الانتحار الاستراتيجي" كون الجزائر تنتمي إلى البحر المتوسط وأن علاقاتها الاقتصادية كلها مع أوروبا وبالتالي يرى الباحث الجزائري أن بلاده تقوم ب"بتقويض العلاقات الاقتصادية التي تربطها بهذه الدول وقبلها يربطها الجوار وتربطها الجغرافيا أحببت أم كرهت".

المصدر: مونت كارلو الدولية 

اثنين, 04/04/2022 - 15:17