لماذا تصاعد استهداف الأقصى؟

محمد عايش

خلال العامين الأخيرين تصاعدت الاعتداءات الإسرائيلية على مدينة القدس، خاصة المسجد الأقصى، وبات واضحاً أن ثمة مشروعا إسرائيليا يتم تنفيذه في المدينة، ويهدف لتغيير الواقع الديني والسكاني والديمغرافي فيها، وفرض حقائق جديدة تُعرقل أي مطالبة للفلسطينيين بالمدينة، وتُخفي المعالم العربية منها، ولذلك يتم استهداف حي الشيخ جراح بالهدم والترحيل، وإحلال المستوطنين بدل السكان الأصليين.
ثمة مشروع إسرائيلي لطمس الهوية العربية الفلسطينية في مدينة القدس، وهذا ما يؤكده تقرير صدر مؤخراً عن الأمم المتحدة وكشف أن عمليات هدم المنازل في الضفة الغربية والقدس المحتلة زادت بنسبة 21% خلال العام الماضي 2021، كما أن الفلسطينيين المشردين والمهجرين والذين أصبحوا بلا مسكن أو مأوى زادوا بنسبة 28% بفعل إجراءات الاحتلال.
تقرير آخر صادر عن جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني يكشف أن 30% من عمليات هدم المنازل وتهجير السكان تتم في مدينة القدس، وأن عمليات الهدم والتهجير ارتفعت في عام 2020 (عام كورونا) بنسبة 45% عما كانت عليه في العام الذي سبقه، أي أنه بينما كان العالم منشغلاً بالوباء والإغلاقات والوقاية من المرض والموت، كان الاحتلال ينشغلُ بتنفيذ مخطط مدروس للتطهير العرقي في المدينة المقدسة. لا شك إذن في أن الإسرائيليين يتهافتون على تغيير معالم مدينة القدس وتهويدها وطرد الفلسطينيين منها، ولا شكَّ في أن ما يحدث في المسجد الأقصى حالياً هو أحد إفرازات هذا التهافت، وهذه الخطة التي تستهدف المدينة بأكملها، أما أسباب هذا التصعيد وتوقيته فيمكن إيجازها في ما يلي:

أضعفُ الإيمان في مواجهة المشروع الإسرائيلي أن يجد المتخاصمون سبيلاً لتوحيد الصف الداخلي وجمع الكلمة وإنهاء الانقسام الداخلي الذي يؤدي إلى إضعافهم

أولاً: دول التطبيع العربي أعطت ضوءاً أخضر، ولو ضمنياً، للاحتلال بأن يواصل أعماله وتهويده للمدينة المقدسة، وأن يستمر في خطط تغيير معالم المدينة، بما فيها عمليات طرد السكان الأصليين وإحلال المستوطنين مكانهم. والأهم من ذلك أن موجة التطبيع الأخيرة أعطت الإسرائيليين رسالة مفادها، أن استمرار العدوان لن يُعرقل إقامة علاقات بين تل أبيب والدول العربية المحيطة بها كما كان الحال سابقاً.
ثانياً: القرار الأمريكي في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017 بنقل السفارة إلى القدس واعتبار المدينة المقدسة عاصمة للإسرائيليين وحدهم، لا شك في أنه أغرى الاسرائيليين أكثر من أي وقت مضى بأن يُصعدوا من عمليات التهويد والاستهداف، خاصة أن القرار الأمريكي لم يجد معارضة حقيقية من الدول العربية ولا الاسلامية، وعليه فقد وجد الاحتلال أنه أمام فرصة غير مسبوقة لتغيير الوقائع والحقائق في المدينة المقدسة.
ثالثاً: يدفع الفلسطينيون ثمناً باهظاً ويومياً للانقسام الداخلي، ولحالة الجمود السياسي، ولتحوّل السلطة الفلسطينية إلى مجلس خدمات، وهو ما جعل الفلسطينيين في أضعف أحوالهم السياسية، إذ لم يمر على الفلسطينيين حالة من الضعف السياسي كهذه التي نعيشها اليوم، بل حتى فترة ما بعد الخروج من لبنان (1982) والتشتت في الدول العربية لم تكن بهذا السوء والسواد، وهذا أحد العوامل التي تغري الاحتلال بمزيد من الاعتداءات.
رابعاً: نجاح المشروع الإسرائيلي بفرض التقسيم الزماني والمكاني في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل دفعهم ويدفعهم بكل تأكيد إلى محاولة فرض المعادلة ذاتها على المسجد الأقصى، بل إن الاحتلال يحاول منذ سنوات فرض هذه المعادلة كأمر واقع، وذلك عبر تمرير وتنظيم اقتحامات يومية صباحية للمسجد الأقصى لجعل الأمر معتاداً وطبيعياً مع مرور الزمن، وتحويل الحرم القدسي إلى مزار للإسرائيليين صباحاً خلال فترة ما قبل صلاة الظهر.
والخلاصة هي أن المسجد الأقصى يتعرض لعملية استهداف ممنهجة ضمن خطة تستهدف مدينة القدس بأكملها، وعلى الفلسطينيين أن يفكروا جيداً في كيفية تعطيل هذا المشروع الاسرائيلي، وأضعفُ الإيمان في هذه المواجهة أن يجد المتخاصمون سبيلاً لتوحيد الصف الداخلي وجمع الكلمة وإنهاء الانقسام الداخلي الذي يؤدي إلى إضعاف الصف الفلسطيني.. هذا هو أضعف الإيمان.
كاتب فلسطيني

نقلا عن القدس العربي

ثلاثاء, 19/04/2022 - 16:47