الجيل المتسامح

محمد اندح

كنت مرة في نقاش، حول "الرق" ومخلفاته ورواسبه، مع بعض الأصدقاء، في بيت أحدنا، من الذين أفترض فيهم الوعي ورجاحة العقل؛ حيث استمعتُ إلى الكثير من الأفكار والرؤى حول تحليل أسباب بقاء بعض رواسب الرق في مجتمعنا إلى يوم الناس هذا، رغم كل ما قيم به رسمياً وحركياً من جهود لمكافحة هذه الظاهرة المشينة!

 

وعندما جاء دوري في النقاش؛ عبّرت لأصدقائي بأنني شخصياً لا أصدق كثيراً (ولم أعمم) مما أراه عند بعض "البظان" (بالمفهوم الضيق للكلمة) من ادعاء المثالية في محاربة الرق واحتواء ضحاياه السابقين وأبنائهم وأحفادهم، ما لم يثبت ذلك بالممارسة والتجربة والمعاملة في جميع الظروف؛ لأنني مقتنع بأن في داخل العقل الباطني لكل "بظاني" (بعض اللغويين يرى أن "كل" قد تأتي بمعنى "الأغلب" فقط وليس الجميع وإن كنتُ لا أجد كلمة دونها لوصف ما أريد!) من هذا الجيل نظرة دونية للحراطين، سواء عبّر عن ذلك بصراحة أم تظاهر بغيره لدواعٍ مختلفة!!

 

والذنب هنا ليس ذنبه بذاته بالضرورة، لأنه ليس إلا ضحية من ضحايا التلقين والتربية والتنشئة التي تتم في بيئة تكرس هذه المفاهيم الظالمة للأسف الشديد! 

 

نعم؛ قد يكون بيننا أنقياء مخلصون لا ينطبق عليهم هذا الانطباع، لكن الكثير من الوقائع والأحداث التي تصادف كلاً منا في حياته اليومية كفيلة بكشف بعض ما اختبأ وراء "الظواهر" في العقل الباطني لكل واحد منا.

 

 ومن البدَهي، كما قلتُ في نقاشي الذي عبّرت فيه بصدق عما بداخلي، أن لهذه النظرة الدونية ما يوازيها لدى الطرف الآخر من "غل" و"حقد" وجيهين ومبرريْن، طبقاً للمبدأ الفيزيائي المعروف؛ أن "لكل فعل رد فعل يساويه في القيمة ويعاكسه في الاتجاه"!

 

وما دامت تلك قناعتي، فإنني لا أعوِّل شخصياً إلا على الجيل الجديد من الشبان الأحداث، من أبناء مختلِف طبقات هذا المجتمع، الذين تربوا وعاشوا في المدينة وانشغلوا "عن لمراد" بالدراسة، أو بالفنون الجميلة كالموسيقى وحتى الرقص، أو الرياضة، لأن هؤلاء وحدهم سيلدون جيلاً متسامحاً نقياً من هذه الأمراض والشوائب، لأن آباءه لم يجدوا وقتاً لتلقي ما تلقاه أجدادهم من غل وحقد وكراهية..

 

وبالمناسبة، فهذا ما حدث في بعض الدول المتقدمة، وأقول بعضها فقط، لأن كثيراً منها ما زال حتى الآن بعيداً من التخلص التام من تلك الرواسب السيئة؛ التي تبرز بعض آياتها عند كل اختبار حقيقي جاد لمدى مثالية المجتمع في التعامل مع هذه الرواسب؛ حيث تظهر النتائج على شكل وجه عنصري قبيح!

 

هذه قناعتي الشخصية وأعتقد أن دور المتعلمين ممن يفهمون كنه هذه المسألة، هو أن يتجاوزوا مرحلة التظاهر فقط، والمجاملة الجوفاء، إلى مرحلة المكاشفة والمصارحة والعمل بجد، من أجل أن يساعدوا في تهيئة التربة لميلاد ذلك الجيل المتسامح المنتظر.. ليس إلا، وهذا مبلغُ ما يمككنا جميعاً أن نفعله للجيل القادم!

 

#لقوم_يعقلون

#لا_للعنصرية

#لا_للكراهية

من #أرشيفي 2019

——————-

الصورة بعدستي الشخصية؛ كنت قد التقطتها عام 2010 في مهرجان للتكتل.

أحد, 29/05/2022 - 22:24