زوم الصحراء (24).. بوركينا.. والجيل الثاني من الانقلابيين

لم تتضح الصورة بعد حتى ساعات ما بعد ظهيرة السبت الفاتح من أكتوبر في العاصمة البوركينابية واغادوغو؛ فإطلاق النار متواصل في أحدث أحياء العاصمة "واغا 2000"، والاتهامات تتبادل بين الانقلابيين الجدد وسلفهم الذي وصل السلطة قبل ثمانية أشهر. 

 

أما الأمر الواضح حتى الآن والراجح أن الساعات والأسابيع القادمة ستزيده وضوحا؛ فهو أن البلد الذي ظل حتى سنوات قريبة عنوان "استقرار لافت وعلاقة مميزة" مع جماعات العنف تورط حتى الأذقان في عناوين التجاذب الحارقة في الساحل والغرب الإفريقي؛ تجاذب فرنسا وروسيا، وتجتذب جماعات العنف والأنظمة القائمة، وتجاذب أجيال الانقلابيين. 

 

في زوم هذا الاسبوع نقترب من تفاصيل الصورة في  بلاد توماس سانكرا وابليز كومباوري أو بلاد الرجال الشرفاء كما يحب البوركينابيون تسمية بلدهم، لنفحص في هويات قادة البلد الجدد، وخلفيات تحركاتهم، وتأثيراتها الواقعة والمتوقعة على الوضع في منطقة الساحل التي تهتز من أطرافها ووسطها بفعل عوامل عديدة ومتشابكة. 

 

ذات الفريق..ذات الكأس 

بعد يوم طويل من إطلاق النار والتوتر في العاصمة واغا وصل قادة الانقلابات إلى مبنى التلفزيون؛ وأزيح الستار عن وجوههم (عن وجهين منهم إن أردنا الدقة فقد كان البقية ملثمين وفي وضعية تحفز). 

 

تمت تلاوة البيان "رقم واحد" ولم تقتصر المفارقة أن من تلاه هو نفسه الذي قرأ قبل ثمانية أشهر البيان المعلن وصول من يعلن الانقلاب عليه اليوم؛ ولذات السبب أيضا أن الوضعية الأمنية في تدهور؛ وأن الرئيس المطاح به لم يف بتعهداته. 

 

قائد الانقلاب الجديد الذي ظهر في صور التلفزيون البارحة، لم يكن بالوجه الغريب أيضا النقيب ابراهيما توري أحد رفاق دامبيا الذي خطط معه ونفذ انقلاب الثالث والعشرين يناير 2022، وحظي بترقيات سريعة أحدثها التي استفاد منها قبل ستة أشهر ومنها قاد تحركه لعزل "سلفه " الذي ساغ له عدة حجج. 

 

ما وراء الانقلاب..
يدفع قادة الانقلاب الجدد والمتابعون للوضع في بوركينا افاسو بعدة عوامل يرون أنها تقف وراء الانقلاب في صدارتها: 

 

- استمرار تدهور الوضع الأمني؛ فقد بات ما يقارب الأربعين في المائة من مساحة البلد خارج أي سيطرة حكومية؛ وبالتالي تحت سيطرة الجماعات المسلحة. 

وتمثل وضعية مدينة " ديبو " ثاني مدن البلاد وعاصمة إقليم الساحل والتي يشار إليها باعتبارها مهد حركات العنف التعبير الأخطر عن  انحلال قبضة السلطة؛ فالمدينة تعيش وضعا كارثيا بفعل وقوعها  بين كماشتي قوات مكافحة الارهاب الحكومية والجماعات المسلحة، وتتحدث تقارير صحفية عن وضع إنساني صعب يقترب من حافة المجاعة في المدينة التي يقدر سكانها بما يناهز ربع المليون نسمة.! 

- أما السبب الثاني وهو لصيق بسابقه فهو انشغال دامبيا بالتسويات السياسية؛ والعلاقة مع السياسيين عن وضعية المؤسسة العسكرية التي يعاني منتسبوها من إهمال؛ وضعف تسليح جعلهم فريسة سهلة للجماعات المسلحة، وهذا ما مثل الحجة الأبرز لانقلاب دامبيا على الرئيس المنتخب "كابوري". 

وكان لافتا خلال الأسابيع الأخيرة تسارع خطوات تطبيع وضع الرئيس السابق ابليز كومباوري في المشهد بعد انتهاء محاكمة القرن التي أدين فيها باغتيال صديقه ورفيق سلاحه توماس سانكرا، وهي العودة التي اتخذت مسارا أريد له أن يحترم الشكل القانوني حيث  تقدم باعتراف واعتذار لعائلة رفيقه سبيلا لطي الملف. 

 

.. وماذا بعد..؟
وتبقى علاقة الانقلابيين الجدد بعامل التدافع الأهم في المنطقة بل ربما في العالم كله (روسيا والغرب) الغائب الأبرز حتى الآن، وإن كانت بعض المؤشرات الأولية تدفع في اتجاه ترجيح فرضية أن يكون الجيل الجديد من الانقلابيين أقرب لموسكو منه لباريس ومن هذه المؤشرات: 

- أن دامبيا ظهر أكثر تعاونا مع المنظمات الإقليمية والقارية ومع دول الإقليم المحسوبة تقليديا على المحور الفرنسي والغربي، وهو ما ترجم في أمور عديدة لعل من أهمها التوافق السلس على مرحلة انتقالية كان من المقرر أن تنتهي بتسليم السلطة للمدنيين فاتح يوليو 2024. 

- أن رفاق ابراهيم تراوري اتهموا زوال اليوم بشكل صريح دامبيا بالتخطيط للعودة للحكم مدعوما بالقوات الخاصة الفرنسية؛ مشيرين إلى أن المنطقة التي شهدت تجدد إطلاق النار زوال ومساء السبت هي المنطقة التي توجد بها تلك القوة الفرنسية ذات التسليح والجاهزية العالية، وقد نفت باريس بسرعة وحزم تلك الاتهامات في بيان صادر عن سفارتها بواغادوغو. 

وفي انتظار أن تأخذ الصورة شكلها النهائي يمكن القول إن استمرار تدهور الوضع الأمني ، وتصاعد الصراع  الروسي الغربي؛ إضافة إلى صراع النفوذ بين الأجيال والأسلاك العسكرية، أوجد وضعية جعلت باب الحكم مفتوحا على مصراعيه أمام "الجيل الثاني" من الانقلابين ليصبح ويمسي سادة الحكم في بلد جديد من بلدان الساحل الافريقي.

سبت, 01/10/2022 - 18:37