تفاقم المشاكل الاقتصادية في الصين هل تتحول لأزمة عالمية ؟ 

نور ملحم 

قد يتوهم البعض بأن المصاعب الاقتصادية التي تعاني منها الصين حاليا تسعد الولايات المتحدة والعالم الغربي، لكن الحقيقة مختلفة تماما، فالتباطؤ الاقتصادي الصيني له أضرار مباشرة على الاقتصاد العالمي، لأنه يشكِّل 40 بالمئة من النمو الاقتصادي العالمي.

الصعوبات التي يعاني منها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لابد أن تترك أثرا سلبيا على العالم أجمع، لأن الاقتصاد العالمي مترابط والشركات العالمية تعمل في كل بقعة من بقاع الأرض، ولا توجد دولة منعزلة انعزالا كاملا عن الاقتصاد العالمي، إلا تلك المحاصرة أو ذات الاقتصادات البدائية.

التباطؤ الاقتصادي الصيني سيترك دون شك تأثيرات على أسواق الطاقة، خصوصا النفط، إذ تستورد الصين معظم احتياجاتها من الطاقة من خارجها، البطالة الصينية المرتفعة تعني أن الإنفاق الاستهلاكي الصيني سوف ينخفض، وهذا يعني أن مبيعات العديد من الشركات العالمية العاملة في الصين سوف تتقلص، وهناك أكثر من مليون شركة أجنبية تعمل في الصين. 

وبما أن الاقتصاد الصيني لا يظهر أي علامات تحسن، فإن قطاعاته الرئيسية، بما في ذلك العقارات، لا تزال تواجه الأزمة. ولجأت البنوك في جميع أنحاء البلاد إلى تخفيض رواتب موظفيها، في حين طلبت بعض المؤسسات المالية من موظفيها حتى إعادة مكافآتهم على أساس الأداء.

وفي الصين، طلبت ما يصل إلى 10 مؤسسات مالية تسيطر عليها الدولة من موظفيها سداد مكافآت على أساس الأداء بقيمة 13.8 مليون دولار، في حين خفضت حوالي عشرة بنوك وطنية يسيطر عليها المساهمون رواتب موظفيها بسبب افتقارها إلى الأموال اللازمة لإدارة شؤونها وسط الأزمة المالية. 

ويقول محللون إنه على الرغم من تشدد الحكومة الصينية على زيادة استهلاك الأسر، فإن موظفي البنوك والقطاعات الأخرى يواجهون تخفيضات في الرواتب في البلاد. ، ففي مجال التمويل وخارجه، فأن قطاع الشركات في الصين غالبا ما "يعزز التعويضات بمدفوعات نقدية تهدف اسميا إلى تحسين جانب أو آخر من جوانب الحياة. 

ومع ذلك، فإن ممارسة خفض التكاليف في البنوك الصينية لا تقتصر على رواتب الموظفين فحسب، بل تتضمن أيضًا إعادة المكافآت التي حصل عليها الموظفون من حيث الامتيازات والحوافز الأخرى أيضًا، وفقًا لبيانات التقرير السنوي للبنوك الصينية، كشفت 10 مؤسسات مالية، بما في ذلك البنوك المملوكة للدولة، أنها طالبت الموظفين بإعادة مكافآت على أساس الأداء تبلغ قيمتها حوالي 99.88 مليون يوان (13.8 مليون دولار).

كان بنك التجار الصيني يقود مجموعة البنوك التي تطلب من الموظفين إعادة المكافآت التي تلقوها في عام 2023، حيث أمر ما يصل إلى 4415 موظفًا بإعادة ما مجموعه 43.3 مليون يوان. تبعه بنك الصين الذي طلب 2059 موظفًا، بينما أُمر 499 موظفًا في بنك بوهاي أيضًا بإعادة المكافآت، حسبما كشفت الإيداعات المصرفية السنوية لعام 2023.

ومع ذلك، لا يقتصر الأمر على البنوك فحسب، بل إن قطاعات أخرى مثل السيارات الكهربائية والبطاريات والطاقة الشمسية وطاقة الرياح تواجه أيضًا مشكلات في الصين، ويعد الركود في قطاع العقارات، وتصاعد ديون الحكومات المحلية، وضعف الإنفاق، وارتفاع معدل البطالة، من الأسباب الرئيسية للمشاكل الاقتصادية الشاملة في الصين. 

وعلى وجه الخصوص، أدت الأزمة في قطاع العقارات إلى تآكل الميزانيات العمومية للبنوك في البلاد مع تزايد قروضها المعدومة. على سبيل المثال، أعلن البنك الصناعي والتجاري الصيني في تقريره الأخير بتاريخ 27 آذار، أن قروضه المعدومة من الرهن العقاري السكني ارتفعت إلى 9.6% لتصل إلى 27.8 مليار يوان. 

أفاد بنك الاتصالات أن قروضه المعدومة المتعلقة بالعقارات قفزت إلى 4.99% في نهاية عام 2023 من 2.8% في عام 2022 وأعلن البنك الزراعي الصيني عن ارتفاع قروض الرهن العقاري السكني المعدومة بنسبة 4.7% العام الماضي.

ويواجه سوق العقارات في الصين أزمة منذ عام 2021 عندما اتخذت الحكومة إجراءات للحد من الاقتراض من قبل مطوري العقارات الكبار، لقد تخلف مطورو العقارات مثل Evergrande و Country Garden عن سداد ديونهم في السنوات القليلة الماضية. كانتري جاردن التي تخلفت عن سداد ديونها الخارجية العام الماضي . 

ويمثل قطاع العقارات نحو ثلث الاقتصاد الصيني وفي عام 2023، انخفضت مبيعات المساكن الإجمالية بنسبة 6.5% مقارنة بعام 2022 و35.9% منذ بداية الأزمة في عام 2021 في الصين، ونتيجة لذلك، فإن تأثير الأزمة في هذا القطاع له تأثير كبير على المجالات الأخرى من اقتصاد البلاد.

كما أن الدول التي تعتمد على صادراتها للصين، مثل البرازيل وأستراليا وبعض الدول الإفريقية التي تصدر موادَ أولية لها، سوف تتضرر كثيرا من هذا التباطؤ، ولابد أن يتأثر اقتصادها به، أو تتمكن من التعويض عنه في أماكن أخرى من العالم.

التراجع الاقتصادي الصيني سوف يؤثر أيضا على الدول التي اقترضت من الصين ضمن "مبادرة الحزام والطريق"، لبناء مشاريع بنى أساسية (تحتية) ضرورية ، فإن تناقصت الأموال المتوفرة للقروض الخارجية، فإن الصين لن تتمكن من المضي قدما في تمويل هذه المشاريع الطويلة الأمد، ما يعني أنها سوف تتعثر، الأمر الذي يلحق أضرارا بالدول المدينة، إضافة إلى الدولة الدائنة (الصين).

جمعة, 16/02/2024 - 12:14