نظام الإقطاع الفرعوني.. أهرامات مصر بنيت على حساب رفاهية الشعب

في الأزمنة القديمة لم يكن البقاء على قيد الحياة مشكلة للصيادين والمزارعين، فجمع المحاصيل في يوم واحد بواسطة امرأة واحدة قد يكفي أسرة لثلاثة أيام، بحسب المؤرخ الأميركي مارشال ساهلينز. 
وفي المملكة المصرية القديمة، وهي الأسر الأربع التي حكمت من 2780 قبل الميلاد إلى 2263 ق.م، كان الاقتصاد المصري زراعياً في الأساس، ويعتمد على فيضان النيل وزراعة الأراضي الخصبة في الوادي التي يمدها النيل بالماء والطمي، ويسهّل نقل المحاصيل والسلع أيضاً، لكن تكدس هذه الثروات لم يكن مستخدما في رفاهية السكان بقدر تشييد المقابر الملكية.

فالنظام الاقتصادي في الحضارة المصرية القديمة كان فريدا، لا يكتفي بالطعام والبقاء، بل بتكريس الموارد والطاقات لإنشاء وصيانة المقابر الضخمة والأهرامات والمعابد، وهو النموذج الذي جعل المجتمع المصري طبقياً منقسماً بين فئة كبار الملاك والمسؤولين الأغنياء، وعامة الشعب الفقير.

بناء المقابر الضخمة كان سمة لمصر الفرعونية، وهيمن عليها الاعتقاد بأن الملك شخص مقدس في حياته وبعد وفاته، وكان يمتلك الأرض ويقوم بمنحها لمن يريد، فجعل عامة الناس من الشعب تعمل فقط مقابل الطعام والشراب والمسكن، بينما عمل كثير من العمال مقابل طعامهم أو كانوا مجرد عبيد.
تكدس الثروات لم يكن يستخدم في رفاهية السكان بقدر تشييد المقابر الملكية (مواقع التواصل الاجتماعي)

الأراضي هي العملة الفرعونية
في هذا المجتمع -الذي لا تعتبر فيه المعادن الثمينة وسيلة التبادل السائدة، وكان معظمها في أيدي الملوك وفي المعابد- كانت الثروة مرادفة لحيازة الأرض، ومن الناحية النظرية كانت كل الأرض تخص الفرعون الذي كان بإمكانه التصرف فيها متى شاء، وأعطيت مساحات كبيرة للجيش، الذي احتاجه الملوك بصفة خاصة في أوقات الاضطرابات، وكانوا يقومون بمكافأة قادة الجيش بتخصيص الأراضي.

تم استثمار قدر كبير من الأراضي المصرية في ذلك الوقت لبناء المقابر والمعابد الملكية التي كان من المفترض أن تستمر إلى الأبد، وأغلبها كانت ملكا لكبار المسؤولين وقادة الجيش والكهنة وكبار الملاك.

وكان مجتمع تلك الفترة أشبه بالنظام الإقطاعي، الذي كان موجوداً في أوروبا العصور الوسطى، بحسب آندريس وينكلر المحاضر بقسم المصريات بجامعة أكسفورد البريطانية.

ويقول المؤرخون إن الفرعون كان يفرض الضرائب على كبار الملاك الذين يقومون بجبايتها من صغار المزارعين ، وكانت الإدارة المصرية القديمة مركزية وطبقية وصارمة.

نظام الضرائب في مملكة مصر القديمة
كانت الإقطاعات أساس نظام الزراعة المركزية بمصر في الدولة القديمة، وكانت تدار بواسطة المعابد (التي كانت مراكز حكم تابعة للقصر أيضاً)، وبواسطة المراكز الزراعية للدولة المنتشرة بكافة أنحاء البلاد.

وهناك مصادر من القرن الثالث قبل الميلاد توضح أن الإقطاعات كونت شبكات إنتاجية، حيث تم إنتاج المنتجات الزراعية وتخزينها وجعلها متاحة لوكلاء الملك، وكانت الإقطاعات تمنح أحياناً لكبار المسؤولين كمكافأة لخدماتهم، بحسب جوان جارسيا الباحث في المصريات بالمركز الفرنسي الوطني للبحث العلمي.

وكان موظفو الإدارة الملكية يقومون بحساب الضرائب والإيرادات للخزينة الملكية، فيتم حساب السلع الزراعية والحيوانية مثل رؤوس الماشية والمنتجات المصنوعة كالأقمشة والمنسوجات، وتجمع نسبة الضرائب منها وتخزّن في صوامع ومخازن خاصة.
عُثر في صعيد مصر على نقوش تشير إلى عمال لا يحصلون على أجور أو عبيد يعملون بالسخرة (مواقع التواصل)

ولاحقاً، يتم توزيع الضرائب على المشاريع مثل بناء الأهرام والمعابد والمقابر الملكية، وعُثر على أدلة توضح كيفية إدارة تلك الخزائن في أبو صير (البدرشين)، الواقعة في محافظة الجيزة الحالية. ويقول المؤرخون إن تلك النصوص تكشف المعاملات اليومية للكهنة، وكيف ارتبطت عبادة الملك المتوفى بالإدارة الملكية.

وتمكنت الإدارة البيروقراطية الفرعونية خلال ثلاثة آلاف سنة من تطوير السياسة الضريبية بفرض سلطانها، وخزنت الحبوب التي يمكن توزيعها في أوقات المجاعة، وجُلب الحرفيون والعمالة بمقابل زهيد من خزانة المملكة الثرية. 

العمل مقابل الطعام
بخلاف الإداريين والمهندسين والمشرفين، كان هناك عمال المحاجر والناقلين والبنائين، إضافة إلى العمال الثانويين الذين كانوا يمهدون المنحدرات ويصنعون الأدوات ويقدمون خدمات الطعام والملابس والوقود، واستمر العمل في أهرامات الجيزة الشهيرة عشرين سنة على الأقل.

وعُثر في أبيدوس الواقعة في سوهاج الحالية بصعيد مصر على نقوش منسوبة لقاضٍ وقائدٍ عسكري يشير إلى عمال لا يحصلون على أجور أو عبيد يعملون بالسخرة.

في المقابل كان هؤلاء يحصلون على الطعام والملابس ومنتجات أخرى عبر كبار العمال، الذين قاموا بتوزيع هذه الهبات الملكية على المستويات الاجتماعية الأقل. وكان بعضهم يحظى بمكافأة أن يدفن في مقابر العمال الخاصة بجوار مقبرة الملك.

وفي وادي الجرف (الذي لقب بميناء الملك خوفو على ساحل البحر الأحمر) الذي كشفت فيه بردية وادي الجرف الشهيرة التي تعود إلى عهد خوفو؛ تحوي النصوص سجلاً لقائدٍ شارك هو ورجاله الأربعون في بناء الهرم من خلال شحن الحجارة من المحاجر إلى موقع بناء الهرم الأكبر في الجيزة.

المصدر : الجزيرة

خميس, 29/11/2018 - 19:01