الديمقراطية هي أصل كل الدعوات العنصرية

سيد محمد ولد أخليل

يزداد الحديث عن العنصرية، ويزداد ظهور المناضلين العازفين على وترها، الآخذين على عواتقهم مهمة إنقاذ الطوائف المحرومة بزعمهم!

وإذا تأملت الواقع وجدت أولئك الدعاة أكثر شحا من الأشحاء، ليس فيهم من تجاوز خيره نفسه إلى أخيه أو أخته أحرى بطائفته المحرومة! وكما قال أحد الوزراء: ليس فيهم من قام بعمل اجتماعي مساعد كزرع شجرة أو حفر حفرة (أو ما في معنى كلامه)! انتهى.

لا فائدة لهم غير لعياط والتفريق والشحناء ومصاحبة أعداء الدين الغربيين!

لقد أصبحنا في زمن نشرت فيه الحريات الديمقراطية المشؤومة ألوية العابثين والطفليين بحيث أصبح بإمكان كل باحث عن الدنيا المتاجرة بالدين والسياسة والثقافة والخطاب العنصري المقيت.

أما الربح فمن أهم وسائله عندهم لفت انتباه الغرب إليهم، أو ابتزاز الدولة التي لم تعد تعرف من تقدم أو تؤخر من كثرة المرتمين عليها من اللئام والأدنياء والمنافقين.

وإذا انضاف إلى ذلك جوعهم وحقدهم الدفين على مجتمعهم الذي سود وجوههم ونفوسهم بفحم الحياة (نعوذ بالله من الشقاء)، تصبح أمراضهم أعظم، ويصبح وضع أيديهم في يد الشيطان أكيد!

يأتيك الواحد منهم فيقول: أنا لست ضد البيظان ولكني ضد الظلم!

إذن فلتكن ضد قوانين الدنيا لأنها بحسبك ظالمة، لا تترك مخلوقا واحدا يستريح، خصوصا إذا كان ممن يستحقون المعيشة الضنك!

اسخط على الدنيا وقاوم قسوتها بمنظماتك الحقوقية وبرلمانك الأوروبي!

اعترض على المصائب والهموم التي تصيبك وتصيب الناس، وأولها مصيبتك بالغرب الذي أقنعك بهذه الحقوق السخيفة وسياستها الإبليسة.

اعترض على سنة الله في خلقه حيث جعل الفقر والغنى، والمرض والصحة، والغم والسعادة، والكفر والإسلام. وقل "لا" للإبتلاء الدنيوي وستكون أول المرفوسين.

اعترض يا أخي على من يدعو إلى الحقوق وهو يقتل السوريين والليبيين بغير حساب!

يقول: أنا لست ضد مالك ولكني ضد مالكية موريتانيا!

إن مالكية موريتانيا يتبعون مرجعا واحدا ككل المالكية، وهو الإسلام كأصل مع الإجتهاد فيما لا أصل له، وكل ما في الكتب المالكية عرفه مالك وتلاميذه أو علماء مذهبه! لا أحد منهم اخترع شيئا من عنده. كلها أمور يحللها ويحرمها ويتكلم فيها العلماء وحدهم (لا أمثال هؤلاء الجهلة)، مأخوذة من القرآن والسنة، فاعترض على كلمة "الرق" الموجودة في القرآن إن استطعت، لأن فهمك القاصر قد يصور لك أن فيها هضما لحقوق الأرقاء!

إن المجتهد من العلماء إذا اجتهد فإن اجتهاده يرتكز على أساس لا على حقوق اليهود والنصارى وديمقراطيتهم التافهة التي لا يرضى بها مؤمن، خصوصا في هذا الزمن الذي بان فيه عورها وعور أهلها!

الديمقراطية التي هي عصارة فكر الكفار والملحدين المحاربين للدين، وطريق حياة الكفار والشواذ والربويين والماديين، ومعارضة القوانين الإلهية التي جاء بها الدين، كيف ترضى بها يا مؤمن؟

والله لا ينقصكم إلا تطبيقها بجدية دون تدخل من العسكر - حفظهم الله - وسترون عظم بلاها على مجتمعكم ودينكم.

إن الحل مع هؤلاء المارقين ليس مكافئتهم بوظائف الدولة التي لا يستحقون، بل صرامة الدولة معهم قبل فوات الأوان، أما الدعوات الديمقراطية السياسية التافهة التي يتلفظ بها بعض المزيفين فكريا وعقليا أو يكتبونها فلن تزيد الطين إلا بلة.

لقد كان على الدولة أن تستغل قدرتها على سن القوانين الرادعة، لتسجن كل من يتلفظ بكلمة عنصرية في حق غيره (أحرى بمن يتهجم على طائف بأكملها! يقول "البيظان كذاوكذا")، لكن الغرب والسياسيين المؤمنين به جعلوا دور الديمقراطية الوحيد هو الإفساد، فهي تسن فقط ما يزيد المجتمع خبالا وبعدا عن دينه مما يرضى الغرب فقط.

لقد مُسخ المسلمون في هذا الزمن بسبب بعدهم عن دينهم حتى لم يعودوا يفرقوا بين عدو وصديق! نهاهم القرآن عن موالاة اليهود والنصارى فاتخذوا الديمقراطية مصدرا لهم وتركوه!

العالم كله يتحرر من سيطرة الغرب إلا المسلمين، الصين والهند يفضحونهم في أعمالهم الفنية. الصينيون يصفونهم بالخنازير واللصوص والقتلة في أفلامهم، أما الهنود ففي آخر مشاهد فيلم أميتاب وعامر خان الذي صدر في أواخر 2018، يقول الأخير وهو في عرض البحر، وقد كان جاسوسا للبريطانيين ثم رجع عن ذلك: "سأدير دفة سفينتي لأتجه إلى انجلترا، لقد سرقونا ونهبونا كثيرا، والآن جاء دورنا لسرقتهم ونهبهم! أقسم أن أسرق بلدهم وأبيعه في مزاد علني!".

العالم أصبح يعرف حقيقة هذه الدول التي تسمي نفسها "الدول العظمى"، والتي حكوماتها ليست أكثر من حكومات ناهبة مؤذية استعمارية انتهازية حتى الآن (وهل يسلم من شرهم بلد مسلم واحد؟ فكر)!

وانظر مثلا إلى السينما العلمانية المصرية تجدها بالعكس تمجدهم وترفعهم وتقتدي بهم!!

أما احترام مثقفينا هنا للديمقراطية وتسبيحهم بحمدها فيكاد يتحول إلى شكل من أشكال العبادة الشيطانية، فهم مستعدون للتظاهر ضد العنصرين مع علمهم أن أمهم الديمقراطية هي سبب عنصريتهم تلك، ولكنهم لن يتظاهروا أبدا ولو بكلمة نقد ضد السبب والمصيبة التي تسمى "الديمقراطية"، والحمد لله على انتقاد الشيخ "ولد سيدي يحي" للأخيرة مؤخرا فقد طال انتظاره!

حتى العلماء - وأين هم؟ - لا يجدون متسعا لإنتقاد أكبر خطر يهدد دينهم ومجتمعهم!

لابد من الضرب على أيدي دعاة التفرقة بقوة لأن المجرم العادي أخف ضررا منهم، فهو يسرق ويقتل فردا أو فردين، أما هم ففي طريقهم إلى قتل المجتمع كله، خصوصا وأننا نحيا في زمن السيادة فيه لأوليائهم أعداء المسلمين، أصحاب ربطة العنق والقلب، الجفاة المتربصين بالمسلمين (ومن اعتقد من هؤلاء أنه ذكي بالقدر الكافي لخداعهم من أجل أكل أموالهم دون المساس ببلده فهو واهم).

وبما ان الغرب لا يستطيع التشكيك في الإسلام داخل دول المسلمين، لم يجد أفضل من التحريض على حكامهم لتخريبها. لم يجد أفضل من التافهين المحرومين من العقل والدين والفلاح، فتصيدهم ليقتصهم (قال أحد الباحثين في أسس الماسونية: يتصيدون كل صعلوك تافه باحث عن الشهرة والمادة ليجندوه ضد بلده ودينه).

واصطاد معهم كذلك جماعة الإخوان الديمقراطية التي تجاهد في سبيل إقامة الخلافة الديمقراطية، عجبا لها! وعجبا لكل من يجمع بين القرآن والسنة والديمقراطية في البرلمان وخارجه، فالسياسيون الليبراليون على الأقل لا يفتتحون كلامهم بديباجة دينية مثل الإخوان، وشتان ما بين الدين والديمقراطية!

شكك الغرب الظالم البغيض (لم تعد حقيقته خافية) في حكام المسلمين من أجل ابتزازهم بالدواعش ثم بالمتظاهرين من الإخوان والعلمانيين، ثم بالحقوقيين!! وحماهم حتى أصبح من العسير التعرض لهم أو سجنهم أو ردعهم.

والعجب كل العجب من تهافت بعض عقلاء الثقافة والحريات على الغرب باعتباره قدوة يحتذى بها!

إن قوم لوط يا عاقل، أشرف من الغرب الموجود اليوم، بدليل أنهم لم يكونوا يتحولون إناث، أما هؤلاء فيتحولون من ذكور إلى إناث وبالعكس!

فرعون لم يقتل مثل ما قتلوا، والحربين العالميتين أكبر دليل، سلط الله عليهم حربا ثالثة تريحنا منهم ومن ديمقراطيتهم ووصايتهم على ثرواتنا وديننا وحياتنا.

وكان الله في عون الحكام المسلمين الموجودون في هذا الزمن، ما أعظم ابتلاءهم، ابتلوا بشرع الله الذي لم يطبقوا! شرع الله الذي يحميهم من غربان الفتنة، ويحمي المجتمع من المغتصبين واللصوص وكل الحثالات، تركوه وركزوا على شرع ابليس "الديمقراطية" الذي زادهم حيرة وضنكا، وسلط عليهم الأراذل والكفار، وجعلهم عبيدا لمواثيق الأمم المتحدة الإبليسية!

ابتلوا بتخريب دين وأخلاق المسلمين طاعة للغرب، فأبعدوا علوم الشرع عن التعليم، وجعلوا علوم اليهود والنصارى أساسا كديمقراطيتهم (مع العلم أن علوم الشرع أكثر من علوم الغرب مجموعة بأضعاف)، حتى نتج عن ذلك أجيال لا تفرق بين كوعها وبوعها في مجال الدين والحياة القويمة.

قال أحد الصالحين في هذا الزمن: :لا تستغرب عندما ترى فتاة مسلمة تمشي في الشارع بورقة توت تستر عورتها، ولا عندما ترى شابا مسلما أو كهلا، لا يعرف اسم أم نبيه عليه الصلاة والسلام أو لقبه، فهذا جيل تربى في "زريبة الليبراليين"، ولم يتعلم إلا من الغرب!". وهي الحقيقة.

إن حكام المسلمين أيها الثائر أو الحقوقي أو الإخواني أو الداعشي، يستحقون منك الشفقة وكذلك مجتمعك المسلم الذي لا يبدو أنك تحرص عليه كثيرا.

إن الإخوان الذين ينتقدون حكام المسلمين هم والدواعش، يجعلون الدولة شيئا والشعب شيء آخر، فكأن الفصل بين الدولة وشعبها ممكن! فالدولة بحاكمها وجنوده وعلمائه، عبارة عن طغاة ومساندين لهم، أما الشعب فمن منه معهم فمرحبا به أما الأكثرية التي ضدهم فهي مثل الطغاة لهذا يسفكون الدماء دون حساب.

يقولون للمواطن الشريف الذي يدل على مجرم يخطط للتفجير: "عميل دولة"! كان الدولة شيء والمجتمع شيء آخر! ويصفون من يقف مع الحاكم من علماء المسلمين ب"علماء السلطان"، فإذا كان هؤلاء علماء سلطان فما الذي توصفون به أنتم، لأن علماء السلطان على الأقل لا يطمعون في كرسي السلطان أما أنتم فتطمعون فيها، فبماذا توصفون؟ "قِرْدان" السلطان!

لماذا تسمح الدولة لكل متشرد بلا أصل أو فصل بأن يخرج عليها من جحر مظلم ليؤذيها ويؤذي المجتمع ويمكن للأعداء؟ أليست هذه جريمة؟

إذا كان هذا الفعل البغيض لا يستحق تشريع القوانين الرادعة فما الذي يستحقها؟ "زازو"؟!

ما شأنهم بالدولة؟ لماذا لا يستقرون في بيوتهم كبقية أفراد المجتمع؟ ما الذي يريدون هم والإخوان من الدولة؟

لماذا لا يفهمون أن هذه الدنيا ليست دار قرار ليطالبوا فيها مثل كهول السياسة بالرفاهية المستحيلة!

لماذا لا يتقون ربهم ويعملون من أجل آخرتهم، ألا تستحق الجنة عندهم تقوى الله، تلك الدار الآمنة، دار السعادة والأفراح التي لا نكد فيها ولا أمراض، ولا زوال، ولا وجوه عابسة، ولا كفار.

إنهم مجرمون، الحل معهم هو الصرامة بإقامة الحدود - لكن أين شرع الله؟ -.

الحل تغييبهم في السجون ليكونوا عبرة لغيرهم دون مجاملة أو دبلوماسية أو انصات لأوليائهم المدافعين عنهم من الغربيين الذين يدسون أنفوهم في شؤوننا.

إن الدنيا - يا عاقل - دار عواصف لا يستقر فيها شيء في مكانه، كل شيء متطاير فيها، حتى في أعماق النفوس البشرية، خصوصا المعذبة التي عانت الويلات في صغرها ثم ارتمت في أحضان الشيطان في كبرها،  عياذا بالله.

إن العاقل لا يتعلق بالدنيا بل يفر من غرورها لأن طريقها غير مضمون. اسأل التاجر الذي بدأ غروره بدكان صغير توسع مع الزمن وتوسعت معه الأطماع، فاحتوشته الشياطين، وبنت معه امبراطورية "فلان"، ومجده الناس، وازدادت ذنوبه حرصا على المال والجاه، فأسس مملكة على أساس من الذنوب والحرام. اسأله وهو على فراش العجر: ما الذي ربحت من كل ذلك؟

وأسأل الرئيس والوزير والمدير والمسؤول والحقوقي الذي يعيش في أمريكا... إلخ

اسألهم جميعا: ما الذي ربحتم من كل ذلك يا مغترين؟

إن كل طريق يؤدي إلى أمجاد الدنيا الزائفة ينبغي التعوذ منه لأنه طريق عامر بشياطين الإنس والجن قد يفسد الدين والمآل، لا يمكن السير فيه دون مدافعة ينتج عنها الكثير من الظلم والإفتراء، وإن اعتقد السائر فيه أنه يفعل ذلك دفاعا عن نفسه وماله وحفاظا عليه! وخير من كل ذلك القناعة باليسير وعبادة الرب من أجل الجنة، وعدم الإنشغال بالناس.

إن الحل مع هؤلاء هو التعوذ من شرهم وشر من يدعمهم، ودعوة الدولة إلى الوقوف في وجوههم بصرامة لأن تركها لهم وتذبذبها في التعامل معهم هو سبب تماديهم عليها وعلى المجتمع، فعليها أن تعلم أنهم لم يعودوا يطمعون في وظائفها كما كانوا في السابق، بل يطمعون أكثر فيما عند رعاتهم الغربيين المجرمين، لذا لا حل معهم إلا الوقوف في وجوههم بصرامة.

إن الرحمة الحقيقية والتآزر موجودين في المجتمعات المسلمة وحدها، فلا تنحرف بكم السبل إلى هؤلاء الضائعين الغربيين - قبلة المثقفين والسياسيين والحقوقيين - الذين ينكحون الأحصنة والكلاب (بنكاح رسمي، لا تعتقد أني أبالغ)، فلن تجدوا خيرا لكم في دينكم ودنياكم من المسلمين من أهلكم سواء منهم الأبيض والأسود، لا يفرق بينهما إلا هذه الدعوات الحقوقية السخيفة المبنية على المادة التي يهبها الله تعالى لمن يشاء من عباده ويقدر، بل حرمانه لعبيده منها خير لهم وأكثر بركة.

فكر يا أخي قبل أن يخدعوك، ما الذي يجمع بين الغرب الكافر وهؤلاء الحقوقيين حتى يتقووا به ويتقوى بهم على المسلمين؟!

ما الذي سبب خراب سوريا وليبيا غير مظاهرات التناوب السلمي اللعين والديمقراطة البغيضة؟

ما الذي حققه الخروج على الحكام لجماعة الإخوان وحفيدتها داعش وأطفال الفيسبوك والمعارضين السياسيين؟

هل من الإسلام الجلوس في برلمان كبرلمان تونس والتصويت على رفع أسعار الخمور، أو حضور التصويت على مشروع يرد القرآن (يجهزون الآن في تونس بقيادة رئيسهم الديمقراطي لتشريع قانون يساوي بين الذكر والأنثى في كل حالات الإرث في رفض صارخ لأوامر الخالق وللقرآن)؟

ماذا سيقول الإخوان لربهم إذا صوتت أغلبية البرلمان العلمانية في تونس وغيرها على "لا" للقرآن؟!

هل يلعب الإخوان بالسياسة الديمقراطية مع خالقهم كما يفعلون مع خلقه؟

هل سيقولون: انسحبنا من القاعة وصوتنا ب "لا" ل "لا للقرآن" مع احترامنا للدستور الديمقراطي المبارك!

سيحملون وزر ذلك هم وكل من يدعو لهذه السياسة الدخيلة على المسلمين التي أفسدت الدين والأخلاق، وخربت بمظاهراتها الدول، وجرأت الأنذال والصعاليك على الدين ومجتمعات المسلمين.

ستحملون يا دعاة العنصرية وزر الدعوة إلى الفتنة، حفظنا الله من شرها وشركم.

اثنين, 07/01/2019 - 11:07