قمة من تحت الردم!

نسرين عجب

هل هو من حسن حظ لبنان أو سوء حظه أن قمة اقتصادية عربية تنموية تعقد فيه؟ 

سؤال محيّر  فنحن ندرك أن أي حسن نستجديه في هذه الظروف الجهنمية؟

المشكلة ليست في القمة ولا في توقيت انعقادها، مشكلتنا بل أزمتنا هي في تصدّع بلد صغير، أصغر من أن يحتمل كل هذه التشققات الداخلية.

نعم كشفت القمة عن هشاشة بنية دولة تفوق هشاشة البنى التحتية لبلد عاجز، بلبلته عاصفة الطبيعة.

أغلب رؤساء الدول أحجموا عن الحضور، حسناً ما كان حضورهم سيغيّر  أي شيء في المعادلة سوى الشكل،  كالصورة التذكارية للرؤساء، فما كنا ننتظر أن ينهض اقتصادنا من اجتماع عربي بروتوكولي، لن يبدّل أي شيء من الواقع، بل في الحقيقة ما هو سوى عبء مالي على بلد ينوء تحت عجز الديون.

أحجم الرؤساء عن الحضور لحسابات إقليمية، ولكن المضحك المبكي أن مسؤولين داخليين اعتذروا عن الحضور لحسابات "نكايات سياسية"!

حسناً، اذا النصاب غير مكتمل وإلى هذا الحد الداخل مهترىء، لما لم تلغ تلك القمة الباهضة الثمن؟ نعم، لأن انعقادها رغم الفشل هو لتسجيل النقاط السياسية ايضاً!

كل شيء في هذا البلد يسير بهذه الحسابات، حتى بات كملعب كرة القدم، نقطة تسجّل هنا ونقطة هناك، وجمهور متحزّب يهيّص هنا ويشتم هناك... وشعب بين الاثنين، بعض تابع هنا وآخر هناك وشريحة صغيرة تنأى بنفسها عن التبعية وتحاول أن تقاتل وحدَها بسلاح الوعي.

لنعود إلى القمة، أول غيثها مطالبة مسؤول سياسي بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، مسؤول في فريق نكّل النظام السوري بشبابه حتى تورّم؛ نسي الماضي برمّته والآن يغازل هذا النظام ليمهّد طرقاً مستقبلية!

الكل يخطط لمستقبل وجوده، أما البلد فلا أحد سائل فيه ولا في شبابه الذين يزدادون بالآلاف على أبواب الطائرات المهاجرة.

ويخرج من رحم العاصفة وزراء يفترض أن يكونوا مسؤولين أمام الشعب ويقولوا "الحق على الدولة"! عفوا ألستم أنتم الدولة؟ عندما يكون هناك موضوع يتعلق بالوجود الطائفي والتوازنات الطائفية يستشرسون في الدفاع عن "حقوق" طوائفهم ويصبح لكل منهم سلطة قادرة أن تعطّل بلد ثمانية أشهر من دون حكومة... والحبل على الجرار! 

وللمفارقة، وليكتمل المشهد المأساوي، أرسل قريب لي يعيش في أميركا وثائقي باللغة الانكليزية، من سبعينيات القرن الماضي، يتغنى بلبنان وسحر جماله من شماله إلى جنوبه، فيلم من حقبة كانت فيها بيروت تضّج بالحياة والازدهار، بيروت التي كتب عنها محمد بن راشد آل مكتوم، في مذكراته: "حلم تردد في ذهني أن تكون دبي كبيروت يوما" ما".

جاء يوم دبي المنشود وباتت تنافس أهم العواصم العالمية، ونحن نصلّي  ان يتردّد في ضمير هؤلاء السياسيين المحكمين الخناق على هذا البلد أن يرحموا بيروت ويعيدوها إلى ما كانت عليه في القرن الماضي!

إيلاف

اثنين, 21/01/2019 - 11:24