متاهة التحرر.. الحق في الحجاب والحق في التعري

نادية عصام حرحش

تحرر المرأة، مصطلح عاشت من أجله المرأة على مدار عصور الإستبداد التي إلتصقت بها، ومحاولات المرأة للتحرر كانت ولا تزال محاولات غير متوقفة من أجل المساواة والحرية.

ولكن المرأة وقعت في فخ “الحرية” كما المجتمعات الحديثة أو المجتمعات التي تغيب عنها الحريات، فتأتي فكرة التحرر هجينة على المبنى الإجتماعي والثقافي لهذه المجتمعات.

عندما خلعت هدى الشعراوي نقابها عند محطة سكة الحديد في القاهرة بداية القرن العشرين المنصرم، قامت بتلك اللحظة بإسقاط لتهميش وإذلال عاشته المرأة نتيجة إنهيار الحكم وبالتالي إنهيار الحقوق على كافة الأصعدة. وما قامت به هدى الشعراوي ورفيقاتها في حينه لم يهدد المجتمع ولم يقض من سباته، فكانت ثورة ناعمة ضد ظلم بحق المرأة لم تخرج المرأة حينها عن متطلباتها بالتحرر، فبقيت جزء لا يتجزأ من النظام الاجتماعي. بحجاب أو بدونه. كانت الرمزية للحجاب حينها أقرب لأن تكون رمزية الطبقات الاجتماعية لا وضعية المرأة وحجبها.

نوال السعداوي مشت على خطى هدى الشعراوي من خلال بعد فكري أعمق، فنوال كانت إبنة قرية في صعيد مصر على عكس هدى شعراوي إبنة القاهرة والعائلات سليلة الأنساب، فحرب نوال السعداوي من أجل الحرية جاءت مفعمة بطعم مرارة ظلم يقع على المجتمع يملأه الجهل والحط من قيمة الإنسان ثم المرأة كمخلوق أقل إنسانية. فكان موقف نوال السعداوي من الحجاب أكثر قسوة ومباشرة ، حيث وضعت يدها على المشكلة وحاربتبطريقة مباشرة المجتمع الذكوري بكافة أطيافه. وما من شك، بأن زمن نوال السعداوي كان زمنا أصعب، فالإسلام الوهابي كان قد تشكل وهيمن على الأزهر، وبالتالي سيطر بإحكام على كل فئات المجتمع الذكوري وترك له زمام التسلط وتثبيت القمع والإذلال تحت مسميات أعطت الفتاوي فيها التحكم بالمرأة والمجتمع.

ولكن، إذا ما نظرنا إلى تجربة كل من هدى شعروايونوال سعداوي، نجد أن هدى شعراوي خلعت النقاب ولكنها لم تخلع الحجاب. ونوال سعداوي انتقدت الحجاب على مدار مسيرتها ولكننا لم نر لها صورة في مايوه أو لباس غير محتشم أو مثير للشهوات.

وقبل أن يذهب القاريء لتشويه شكل نوال سعداوي ،وبالتالي منطقة عدم لبسها للملابس الخليعة .أؤكد بإن ما نراه اليوم يعيد التأكيد أن الخلاعة لا تحتاج إلى شكل مثير أو جميل . الموضوع مبدئي بكافة أشكاله.

ما نراه اليوم لمن ينسبن أنفسهن لهدى شعراوي، بعد الضجة التي أثارتها “تنويرية” مصرية بكتاب عنوانه ” المجد لخالعات الحجاب والنقاب” ، يخلط الحابل بالنابل ، ويحط من مسيرة نساء صنعن تغيير ثوري حقيقي بمجتمعاتنا الذكورية المتخلفة.

لم تكن حرية المرأة أبدا مرتبطة بخلعها لملابسها ، كما لم تكن مرتبطة بحجابها. المصيبة هي بالتطرف الذي بلينا به كمجتمعات لا تعرف التوازن بأي شيء. لن أخفي موقفي من الحجاب الذي حجب المرأة عن مركزها الأصيل في المجتمع على مدار السنين ، ولكن لا يمكن التطرق كذلك إلى حرية المرأة التي إختارت الحجاب ليكون طريق حياتها. وقد أقول بصوت مسموع، إن هذه المرأة لا تمثلني كإمرأة لا أرى بالحجاب طريق وصولي إلى الله. ولن أخوض في الكلام هنا أكثر بين ما هو حلال وبين ما هو حرام، فالموضوع في هذه اللحظات يرتبط بتركيبة المجتمع الثقافية والحضارية لا الدينية. فالمرأة العربية ليست فقط مسلمة ، وعليه يجب ألا يكون الحجاب ما يشكل رمزية شكل المرأة العربية.

ولكني أقول بصوت عالي وقد أصرخ اذا ما تطلب الامر، إن تلك المرأة التي تجعل من الحجاب مشكلتها، ومن خلعه رسالة حياتها وإبراز صوت المرأة من خلال تعري جسدها الفاضح لا تمثل الحرية التي أريدها كإمرأة.

كما الحجاب ، فان العري أوصل المجتمع إلى حالة من تردي القيم والأخلاق. فالحجاب خلق حالة من التمييز بالمجتمع قسم الإيمان والكفر من خلال الحجاب، وبالتالي وصلنا إلى مرحلة أصبحت المحجبة فيه أداة الله على الأرض في حالة قناعتها، وإختبأت محجبة آخرى وراء الحجاب لتمثل رسالة الله على الأرض كذلك.

أما العري، فهو المصيبة الأكبر ، لأن العري لا دين له ! فما نراه من عرض للأجساد وكأننا في سباق لعرض اللحم البشري الرخيص من ممثلات وراقصات وأديبات وكل من أراد شهرة،يحط آلاف المرات من قدر المرأة، فيصبح بالتالي الحجاب هو الأمر الحميد. فإذا ما قرر الإنسان الطبيعي وضع نفسه على جهة تأييد، يصبح الإحتشام هو الخيار. لإن العري الفاضح لم يترك للإحتشام فرصة إلا عن طريق الحجاب أو الإحتجاب.

قد تكون تلك المرأة التي قررت عرض جسدها بطريقة فاضحة أو تسويقية ترى من هذا حريتها ، وهنا يتوجب علي السكوت والقبول تحت طائلة فكرة إحترام الحريات. ولكن هنا يجب أن اسلم أيضا ، أن المرأة التي تريد الحجاب أو النقاب حرة تحت طائلة نفس المبدأ.

قد يكون الزمن الذي نعيشه هو زمنا قاسيا ، فكل شيء بات مكشوفا وتحت رحمة التقدم التكنولوجي الذي لم يعد فيه مستور. ومن أجل هذا تصبح المسؤولية أكبر علينا ،كأناس نعتبر أنفسنا بقدر المسؤولية على مستقبل شعوبنا. فما نراه من عري صار بالفعل مثير للإشمئزاز. تعدت فيه تلك النساء كل أصول الإحترام ، ومع هذا نلوح جميعنا بحق الحرية.

وعليه ، يبقى الحجاب في صوره المختلفة أرحم، لإنه على الأقل يردع من هذا الكم الفاضح من التعري ، الذي أصبحت فيه المرأة سلعة للإثارة، كبدت مسير المرأة من أجل حريتها خسائر فادحة كانت هدى شعراوي إحدى أبطالها كما نوال سعداوي.

لن تكون المرأة التي تجعل من جسدها رأس مال حريتها أبدا تنويرية ولن تكون في التاريخ أكثر من ورقة تلف بها المحمصات والذرة عبر التاريخ.

رأي اليوم 

اثنين, 04/02/2019 - 11:44