رأي: موريتانيا - تونس.. النصر من نصيب الأقوى!

خميس, 2015-11-12 10:14
محمد ولد اندح كاتب صحفي

كرة القدم لا تعترف بالتاريخ، ولا تعترف بالأسماء الكبيرة، إنها لعبة يفوز بها المجتهدون فوق الميدان.

جُملة معهودة السماع، أو مضمونها على الأقل، من كل المتابعين لكرة القدم في العالم، وهي تحمل معنى قد يكون منطقياً، لكنه في الواقع لا يبدو عصياً على الرد، خاصة إذا ما عرفنا أن كبار اللعبة ما زالوا إلى يومنا هذا هم كبارَ اللعبة، ولم يتغير الشيء الكثير!

صحيحٌ أن لكل مجتهد نصيباً، وأن نصيب المجتهد في كرة القدم أن يحظى باحترام وتقدير الآخرين له على الأقل، ومن هنا يحق للأسماء "الصغيرة" في اللعبة أن تتمسك دائماً بحظوظها كاملة لفرض نفسها على الأسماء "الكبيرة"، بل وانتزاع الانتصار من أمامها، فليس قدراً محتوماً أن يبقى الصغير صغيراً إلى الأبد، ولا أن يظل الكبير كبيراً إلى الأبد، وتلك أيضاً فكرة منطقية على الحالمين من المجتهدين أن يتمسكوا بها..

بيْد أن التاريخ يخبرنا أن البرازيل وألمانيا وإيطاليا والأرجنتين والأورجواي وفرنسا وإنجلترا وأسبانيا، دول ثمانية هي وحدها التي سبق لها الفوز بكأس العالم، من أصل مائتين وتسع دول حول العالم تلعب كرة القدم، وبينها دول ذات صيت كبير في الاجتهاد والتميز، ومشهود لها بحسن الإدارة والتخطيط والتسيير، وفي هذه الحقيقة التاريخية ما يمكن أن يخرم "القاعدة" السابقة، التي تقول إن اللعبة لا تعرف بالتاريخ، وإنما تعترف بما يقدم على أرضية الميدان فقط؛ فلو كان الأمر كذلك حتماً لفاز غير هذه الدول المذكورة بكأس العالم!وما ينطبق على كأس العالم ينطبق على كل البطولات القارية الكبرى؛ حيث هناك عادة الأسماء "الكبيرة" التي تفوز بالألقاب، ويبقى حظ الأسماء "الصغيرة" أن تحصل على شرف المشاركة، ليس إلا!

***

يمكننا الآن فهم معنى أن نحترم تاريخ أي منتخب، ونتحلى بالتواضع والواقعية أمامه لنشهد له بالفضل علينا والسبق في هذا المجال؛ فالتواضع سيد الشيم الفاضلة، وهو وحده الذي يعطينا القوة التي نحتاجها من أجل أن نحقق مبتغانا..

من هنا فنحن لا نجد غضاضة مطلقاً في أن نعترف بأن منتخب تونس الشقيقة أكبر كثيراً من منتخبنا، وأن تاريخه لا يقارن موضوعياً بتاريخ منتخبنا!

صحيح أن منتخب تونس ليس منتخب ألمانيا ولا البرازيل، لكن منتخبنا نحن أيضاً، في مقابل ذلك، ليس منتخب فرنسا ولا حتى أوكرانيا! بل لو جاز لنا أن نخضع لمثل هذه المقارنات السخيفة؛ فإننا حين نمثل تونس بالبرازيل، فيجب أن نمثل منتخبنا أمامها بمنتخب بيرو؛ فتلك أدنى مسافة يمكن أن تفصلنا معهم، ولا عيب في الاعتراف بالحقيقة!

أجل؛ منتخب تونس إذن أكبر من منتخبنا وأقوى منه، وأفضل بكل المعايير التاريخية والفنية، لكن كل ذلك لا يعني أن نكون أقلّ منه شأنا على أرض الميدان، فكما لهم لاعبون مميزون، لدينا مثلهم لاعبون مميزون، وإذا كانوا أقوى منا تاريخياً، فإنهم لن يكونوا أقوى منا عزيمة وإرادة وإيماناً، وصموداً وتضحية.. وتلكم هي الصفات التي نعول عليها في منتخبنا من أجل تحقيق الفوز إن شاء الله في لقاء الجمعة المقبل بالملعب الأولمبي في نواكشوط.

***

من يتابع المنتخب التونسي، أو الكرة التونسية عموماً، خلال السنوات الماضية، يمكنه استنتاج الكثير من الحقائق المميزة لهذه الكرة، لكن الحقيقة الأبرز بينها أن التونسيين لا يخسرون عادة ممن هو أضعف منهم فوق أرضية الميدان!

نعم، قد يخسرون من فريق أقل شأناً من فريقهم، لكن لكي يحدث ذلك لابد أن الفريق الأقل منهم شأناً -على الورق- كان هو الأقوى فوق أرضية الميدان، والسبب في ذلك أن اللاعب التونسي على فطرته مثقف جداً من الناحية التكتيكية، وفي محصلة هذه الثقافة التي يتمتع بها كل لاعبيهم، يشكلون فريقاً منضبطاً وقوياً، يصعب جداً على من هو دونه في المستوى أن يقهره فوق أرضية الميدان. فالتونسيون لا يهتمون بالاستعراض الكروي الساحر، ولا يتميزون بالاعتماد على الفنيات والمهارات الفردية كثيراً، ولكنهم يتميزون بالانضباط التكتيكي الكبير، والتنظيم المحكم لصفوفهم، حتى أننا لا نبالغ إذا قلنا إن تونس من بين أقوى ثلاثة منتخبات إفريقية من الناحية التكتيكية.

يضاف إلى ذلك أن شعب تونس كله يتنفس هواء كرة القدم، ويفهم خفاياها وأسرارها، ولعل في تميزهم في مجالي الإعلام الرياضي والتحليل الفني ما يدعم هذه الحقيقة.

خلاصة الأمر أن من لم يتحلَّ بالقوة الكافية أمام تونس، فإنه لن يحقق الفوز أمامها، ولذا فإن مدرب المنتخب الموريتاني، وهو مدرب ذكي خبر كل أصناف التكتيك، مطالب بأن يجعل من فريقه يوم الجمعة المقبل فريقاً أقوى، على أرضية الميدان، من الفريق التونسي، ونحن نعتقد أن لديه الأسلحة الفنية والبشرية ليفعل ذلك، معززاً بمساندة ومؤازرة قاهرة -مثل ما نتمناها- من جمهور بدأ يعني معنى التشجيع الحقيقي شيئاً فشيئا، وبذلك يمكن أن يكون منتخبنا قادراً بالفعل على تحقيق نصر تاريخي آخر، يُضاف إلى الانتصار الرائع على جنوب إفريقيا؛ فبمثل هذه النتائج الإيجابية وحدها، أمام الأسماء الكبيرة قارياً، سيكبر منتخبنا رويداً رويداً، حتى يتبوأ مقعداً مشرفاً بين منتخبات القارة السمراء.