واهم من يتلمس إصلاحا أو تقدما لقطاع التعليم دون إحداث تغيرات جذرية ،تحرك المياه الراكدة وتزيل الأوضار، وتطهر القطاع من براثن الفساد؛ وتقضي على بقاياه،وتجهز على مخلفات أدرانه .
إن المتتبع لمشاكل التعليم لا يمكن أن يخطئ بلحظه ؛ الاختلالات الكبيرة التي يعاني منها القطاع ،والتي تتربع على طليعتها ؛ الحركة الفوضوية للكادر البشري ؛تلك الحركة التي بلغت ذروتها في الأعوام الماضية تزامنا مع ظاهرة *إرسال المدرس* أو ما يعرف في قاموس السماسرة ب (envoyer)، إن هذه الظاهرة تحدث ببساطة عن طريق إتصال هاتفي واحد من سمسار ما إلى أحد المديرين الجهويين ويطلب منه مسح إسم *المدرس الفلاني* ويقوم نفس السمسار باتصال آخر على مدير جهوي آخر تمثل إدارته الوجهة المقصودة ويطلب منه إضافة إسم المدرس المعني إلى قائمة الأشخاص عنده وتنتهي العملية بانتقال المدرس المذكور من الولاية محل الهجرة إلى الأخرى محل القرار ؛بمبلغ ثبت التعارف عليه لا ينقص عن ثلاث مائة ألف أوقية إن كانت الوجهة إلى نواكشوط بل يزيد غالبا ، وإن كانت الوجهة المقصودة ولاية أخرى يتم التراضي على النصف ..!، هذا وجه من أوجه الظاهرة المذكورة وهناك أوجه وطرق أخرى تفضي إلى نفس النتيجة .. وغالبا ما يحدث هذا النوع من مظاهر الفساد داخل قطاع التعليم دون علم الوزير و لا حتى الأمين العام ولربما غاب العلم بهكذا ممارسات مشينة عن علم بعض كبار المسؤولين الآخرين ؛في تنفذ واضح للسماسرة وضبط تام لإيقاع اللعبة القذرة هذه ،وطبعا يعد من نافلة القول ؛ أن العملية تتشابك خيوطها وتتشعب ليلعب فيها البواب والتاجر وعامل الدعم داخل الوزارة دور البيدق الذي تحركه إرادة المسؤول ،اللامسؤول، المتخفي خلف قناع بشري نسجه من براءة هؤلاء الضعاف ، وتوارى هو بتأثيره وفاعليته وخلد إلى جمع ريع اللعبة النجس بعد ضمان تحريك أركانها في صورة خبيثة تنخر جسم الوزارة كما السوسة في الحطب ..!، لكن غياب العلم بهذه اللعبة عن المسؤولين الكبار لا يطهر ساحتهم ولا يبرئ ذمتهم لأنهم هم المسؤولون عن كل شاردة وواردة داخل القطاع ؛تناهى ذلك إلى علمهم أو حجب عنهم ، أطلعوا عليه ام غيبه عنهم عمى الألوان ، أو قصروا عن إدراكه رعونة منهم أو لقلة تجاعيد المخ عندهم أو بفعل ترهل الأبدان ..
إن أي نجاح للتعليم يتم التطلع إليه دون ضبط محكم لحركة الطاقم وتسيير معقلن للكادر البشري عن طريق توزيع عادل بناء على تحويلات شفافة ونزيهة تراعي خصوصية الفترة المحددة للتحويلات -قبيل الافتتاح- وتحجم عن هذه الفوضى السماسرية أثناء السنة الدراسية ؛لن يكون سوى ألعوبة فاشلة ومملة، وإعادة رتق لخرق في ثوب بالي تآكل حد التساقط ..
إن المتأمل لقطاع التعليم وما يعانيه من مشاكل لن يمل إعادة الحديث عن ما تعانيه الخريطة المدرسية من فوضوية وتناثر وتهالك مهلك ؛ أورثته فوضى غير خلاقة إبان موت الضمير في ولاتنا وحكامنا زمن السيبة واستفحال شرعة الغاب وبيع الوطن أيام اعتناق الفكر النفعي ؛ ممثلا ذاك في افتتاح مؤسسات تعليمية من قبل هؤلاء في أماكن لا يسعفها معيار ولا يتسلل إليها مؤشر يسمح للنائم وإن مجازا أن يقترح لها افتتاح مدرسة أحرى اعتمادها من أصحاب القرار في القطاع وأصحاب الوصاية على هم المواطن ،بكل جرءة وفي كامل يقظة .. لكن الرمز السري في هذه العملية هو تقديم المستفيدين من وجود هذه المؤسسة لكبش أو اثنين أو لتبيع أو للقيمة المالية مقابل هذا الاعتماد الرسمي و إرسال مدرس أو اثنين في أسرع وقت لقتل الوقت والعمل على تعميق جراح التعليم مع مرور الوقت ..!
إن الحالة هذه جعلتنا اليوم أمام أسوإ تركة للفساد تثقل كاهل الدولة وتؤرق المواطن ؛ حيث المدارس المتناثرة دون تلاميذ وفي أماكن يصعب فيها تنفيذ برامج الدعم والإصلاح التي تم تقديمها كإسعافات اصطدمت بواقع صعب جعلها في ضيافة المضادات بدل المستقبلات .. وطبعا لن يتغير شيء قبل تغيير هذه الحالة، فالخرق متسع بطبيعته على الراتق، والمعالج يخيل إليه أنه سارق للنار وهو واهم بذلك وجهده ضائع إذ حظه الحلول محله من اللعنة فقط ؛ كما المخدوع بجهده السابح في السراب وما المنتصر لطرحه والظان به إيجابا إلا كحاجب للشمس بغربال ..
إن أي تخطيط لإصلاح التعليم لا يمكن الوثوق بفاعليته قبل القضاء على المدارس الافتراضية بتجميع مايمكن تجميعه فورا والتخطيط لتجميع البقية في المستقبل ، فمن غير الممكن التماس نجاح في قطاع أغلب مدارسه عبارة عن قسم واحد أو اثنين بمدرسه الذي يعتبر مديرا في نفس الوقت وبتلاميذ وهميين قد يكون كتب لهم في أحسن الحالات المرور من هناك في زمن سالف ..!
إن علينا وضع معايير ثابتة ومحددة كحد أدنى لاعتماد أي مدرسة ؛كأن يكون عدد التلاميذ على الأقل مائة (100) تلميذ عمليا -ليس افتراضا ولا تزويرا- ،وأن تكون الحجرات 4 أو 5 على الأقل شريطة أن تكون البنية التربوية مكتملة (6) أقسام تربوية ، وينبغي أن يكون البعد عن أقرب المدارس يتجاور -5-كيلومترات .. فمن غير المعقول ولا هو من باب المقبول وجود كثير من المدارس في بلادنا بأقل واقعيا من 20 تلميذ وبحجرة واحدة أو حجرتين مع وجود مدارس مجاورة في كل الجهات ودون مسافة الكيلومترين ..!
إن على أصحاب القرار في قطاع التعليم ومن ورائهم الحكومة أن يدركوا أن إصلاح التعليم قبل ضبط الكادر البشري وتوزيعه توزيعا عادلا و محكما ،وإعادة تنظيم الخريطة المدرسية تنظيما دقيقا وممنهجا مجرد أوهام ومحض أحلام في اليقظة ..ثم إن عليهم أن يدركوا أن مشكل العقدويين المحليين -الذين شرع في التعاقد معهم هذه الأيام على مستوى الإدارات الجهوية - مشكل معقد يحتاج إلى الدقة والمعيارية ؛إن أريد له أن يكون إيجابيا على التعليم ومنعشا له ساعة العسر،فمن غير المقبول أن يتم التعاقد كما حدث في الماضي مثلا مع من لا يحملون *شهادة ختم الدروس الإعدادية* -على الأقل-؛تحت أي ضغط وتبعا لأي ظرف، كما لا ينبغي تزكية ولا التعاقد مع من لا يستطيعون كتابة أسمائهم بشكل سليم كما حدث في السنوات الماضية ؛أما كتابة طلب موجه للإدارة بشكل سليم فذاك معجز في حد ذاته عند البعض ..! ، هذا بالرغم من وجود مجموعة كبيرة من هؤلاء العقدويين تتمتع بمستوى جيد يخولها التدريس بكفاءة واقتدار ؛ ويثبت أن شهاداتها ومستواها حازتهما بطرق واضحة عكس أولئك الذين تحصلوا على هذه الشهادة رغم بدائيتها دون الدخول إلى قاعات الامتحان أصلا ..! ، كما لا ينبغي الاستغناء عمن تجاوزوا سن الأربعين بدعوى عامل السن ؛لأنهم ببساطة يتمتعون بمستوى جيد في الغالب وأكسبتهم السنون تراكمات ثقافية تنعدم في غيرهم من زملائهم محل الكلام والنقاش ..
كما أن على الفاعلين في القطاع وأصحاب القرار أن يدركوا أهمية العلاوات التحفيزية ودورها في تثبيت المدرسين داخل القطاع والحد من هجرتهم له ؛ مما يستدعي التفكير الجاد في زيادة أو مضاعفة علاوتي البعد والطبشور على الأقل؛كي يساهموا ولو نسبيا في تحويل القطاع من طارد إلى حاضن وداعم للبقاء والبحث والإبداع ..