المعارضة فعل ديمقراطي ووطني واع واستراتيجي.
وهي حيز حركي ديناميكي بالقدر الكافي لإنتاج المواقف وتمايزها من ملف إلى آخر أو من حقبة إلى أخرى.
وهذا تعريف يقتضي الوعي الكامل بحيثيات الأحداث و دقة في التوجه وتماسك تمام بين القرارات المتخذة.
في انتخابات يونيو الماضي وقف طيف عريض من معارضي عزيز في وجه غزواني، وحيكت كل الصيغ لطبيعة العلاقة بينهما وبالتالي لتبرير معارضة الأخير.
بعد الانتخابات مباشرة لم تستوعب المعارضة الحدث وارتبكت في تقديره وحاولت أن تتفاعل معه كمعاوضة تتمسك بحرفية اسمها لا بروحه أَو محتواه.
فتنكرت مجتمعة للنتائج، ليتبين لاحقا أنها تسرعت في اتخاذ القرار ولم تتزامن مع الحدث بما يليق بها كمنافس ولا كمعارضة.
ان تأتي في الوقت المناسب خير من تأتي متاخرا.
بعد تفكك الموقف والتوبة القلبية منه، سمعنا حديثا ناعما يصدر عمن منحوا أصواتهم لتلك المعارضة واستماتوا على منابرها وفي ميادين التعبئة والتحمئة لها.
تنفس هؤلاء بعمق واسترسلوا في وصف الرئيس المنتخب ببعض الفضائل وبرروا وقوفهم ضده بدوافع الخوف من سلفه.
وطالبوا الرئيس وفريقه بتصفية عشرات الكفاءات الموريتانية وتحييدها من المشهد.
لن اعلق على ذكاء معارضتنا البالغ حد مطالبة رئيس للبلاد بمحاربة حلفائه من أجل سواد عيون هذه المعارضة وترضية لها.
لكنني سأعلق على فارق التوقيت دائما.
تتحدث المعارضة كما لو كانت الترتيبات للانتخابات لا تزال على قدم وساق.
يا سادة ياكرام..
الانتخابات انتهت والرئيس نجح ونجح بدعم من احلاف واحزاب ومبادرات وشخصيات وتكتلات سياسية.
فتأتي المعارضة متأخرة ولا تزال في نصف سباتها، لتقول بكل بساطة " السيد الرئيس نحن لم ندعمك ولم نصوت لك، لكننا نطالبك باستبعاد حلفائك وانصارك، ونطالبك بتصفية حساباتنا معهم، لقاء رضانا عنك وإثباتا لحسن نواياك تجاه الوطن.
لا يزال هناك فارق كبير في التوقيت بين هذه المطالب وما يحدث فعليا من اعمال.
صارت إلى إشاعة عزلة الرئيس فقالت بإسقاط الحكومة على لسان حزب الاتحاد من اجل الجمهورية، وإلى خطة عزيز للبلبة من خلال سيناريوهات سيدي ولد الشيخ عبد الله و مؤامرات التصويت السري ولوبيات عزيز.
واطلقت التأويلات حتى اصبح لكل شيء معنى مفاده عزلة الرئيس وضعف الحكومة ونفوذ السلف على الخلف، إلى آخر الاسطوانة.
هناك ايضا فارق كبير في التوقيت بين خطاب الأول من مارس وتعليقات المعارضة وتهجيساتها.
كان خطاب الترشح واضحا وصريحا فيما يتعلق بعلاقة الرئيس ( المرشح آنذاك) بكل اسلافه عموما وبسلفه الصديق خصوصا.
كما كان صريحا فيما يتعلق بنواياه في خلق مناخ سياسي مستقر يكفل التفرغ للعمل التنموي ويوفر بيئة صالحة لشراكة كل الموريتانيين في عملية البناء.
لم يتنامى ذلك التعهد لأسماع المعارضة بعد نظرا لفارق التوقيت بينها وبين ما يحدث.
وها قد أتت لصاحب هذا الخطاب والتعهد تسأله الخوض في معركة لتصفية خصومها هي ( الشاهرة) ، في الوقت الذي اعلن الرئيس ( 1 مارس) استعداده لتحييد الخصومة السياسية وتنقية الساحة الوطنية من الاحتقان.
كان على فخامة الرئيس أن ينتقم للمعارضة المهزومة والمأزومة من سلفه الذي تفرغ لها عشرا كانت الأحلك في تاريخها.
قال الراوي " دوايني و اعطيني فرص ومدافع وفرسان وشيخني وادور تشوف شنعدلك فعدوك" ( الشخصية)
يقال هذا للشيخ الذي يمتلك السلاح والفرسان ولا يعاني من اي إصابة، ضحوة يوم خريفي ماطر وهو يسيطر على كل شبر من إمارته.
ودعوني أساهم في تقليص هذا الفارق بتوضيح بعض القضايا الأساسية..
لقد صوتت اغلبية ساحقة في البرلمان لحكومة ولد الشيخ سيديا ( بطلت خرافة تآمر حزب الاتحاد)
نجح غزواني بدعم مباشر وصريح وقوي من سلفه وصديقه ( سقطت خرافة تآمر عزيز ضد غزواني)
صدعتنا نذر ونوايا المأمورية الثالثة وظلت كل تصريحات عزيز (بعدم قبوله الترشح) مجرد تمويهات وكسب للوقت - حسب تحليلات المعارضة - وحين قطع اليقين باليقين سقطت خرافة أخرى تم الترويج لها لسنوات.
وحين طرح الاستفتاء على الدستور كانت المعارضة حاضرة بسوء تقديراتها وتم استنساخ اسطوانة تمرير التعديل على المادة المحصنة.
فاصبحنا وأصبح الملك لله وتم الاستفتاء على الدستور وخابت اسطورة اخرى.
والحبل كان ولا يزال على غارب المجهول والعقد النفسية.
أقول قولي هذا انتصارا لمعارضة اتمنى أن تولد من رحم الخيبات هذا، وأن تتعظ من موعظة وتستن بأداء يحسن قراءة المستقبل والأحداث.
معارضة تحمل على كاهلها إنارة الراي العام بدل إيهامه وتوهيمه بالهواجس والعواطف والاختلاق.
واقول ذات القول علنا ننطلق في مسار اخلاقي وعقلاني في ذات الآن، لنختلف دون ان نختلق وان يقوم كل منا بدوره مستحضرا حسن التقدير والقدرة على بناء رؤية لا تعتمد على الأوهام الآنية والتبعية للأحداث، في وقت اتيحت فيه فرصة الشراكة في صناعة القرار ومراقبته وتوجيهه.
بدل الاكتفاء بدور بطل المسرحية " الفايت"
وأنونعي جيدا أن مسار الرئيس غزواني يلخصه المثل الحساني " نبقيلك بقيك يغير مانكرهلك كرهك"











