أحيانًا قد لا نجد تفسيرًا لاستسلامنا طواعية للتخلي عن خصوصيتنا سوى أننا نجد متعة في أن نكون مكشوفين أمام الجميع.
الظل الرقمي هو جميع المعلومات الرقمية المتوفرة حول فردٍ ما و التي من خلالها يمكن رسم صورة مكتملة أو غير مكتملة عنه سواءً كانت موجودة في شبكة الأنترنت أو في أيٍ من وسائط التخزين الرقمي الأخرى، سواءً قام هو بإنشائها أو أنشئت من قبل الآخرين و سواءً أنشئت بعلمه أو بغير علمه.
بصمات و آثار إلكترونية
إن أرسلت رسالة بالبريد الإلكتروني أو قمت بتنزيل معلومات من صفحة ويب فلا تستغرب أن تكون بذلك قد خلفت ورائك آثارًا إلكترونية، فقد حصلت على شيء من الشفرات، و هذا يجعل جزءًا من النظام يعرف مكانك.
في العالم الرقمي جميعنا نخلِّف بصماتٍ و آثارًا إلكترونية و هي آثارُ بياناتٍ نخلفها وراءنا عن عمد أو بيانات لا ندري عنها شيئًا و لا نشعر بها، و لأن معظمنا لا يعتبر نفسه هدفا للإستقصاء و البحث فإننا لا نميل إلى أن يثير ذلك قلقنا لكن ما لم يخطر ببالنا هو أن الآثار الرقمية التي نترك منها شيئًا هنا و آخر هناك قد يستفيد منها شخص آخر، شخص يريد أستخدام البيانات التي خلفناها وراءنا ليكسب من ورائها مالًا، أو يحصل على شيء منا، و لذلك لا بد لنا من أن نفهم كيف و أين نخلف وراءنا تلك البصمات و الآثار الرقمية.
يزداد الظل الرقمي للأفراد من خلال أستخدامهم لتطبيقات الهاتف المحمول و مشاركتهم في مواقع الشبكات الاجتماعية و نتيجة لذلك، هناك دعوات متزايدة من الكتاب و الأكاديميين و المشرعين لتعديل أنظمة الخصوصية و حماية البيانات.
في الماضي، إن أردنا أن نقوم بفعل ما دون أن نكشف عن هويتنا، كان بوسعنا أن نكتب شيئًا و نتركه، لكن كان يمكن التعرف على شخصية مرسل رسالة خطية عن طريق التعرف على الخطوط، إضافة إلى بصمات الأصابع الموجودة على ورقة الرسالة أما في عصرنا هذا فإن عدد المصادر الجديدة التي يمكن أن تُستمد منها المعلومات هو جزء من قصة كيف أن الانفجار الرقمي قوَّض دعائم الخصوصية أما الجزء الآخر من قصة التكنولوجيا فيدور حول كيفية جمع تلك البيانات معًا لتكوين صورة كلية.
حصرية و متنازع عليها
يقول علماء الاقتصاد إن الشفرات أو الأكواد الرقمية، ما لم يُحسن المرء التحكم فيها بطريقة أو بأخرى، تميل إلى أن تكون غير حصرية (ما إن تبلغ حفنة من الناس حتى يصعب أن تُحجَب عن الآخرين) و ليست محل تنازع (عندما يحصل شخص عليها مني فإنها لا تنقص من عندي).
التكنولوجيا، مثلها مثل النار، لا يُحكم عليها بأنها خير أو شر في حد ذاتها لأن قيمتها تعتمد على كيفية استخدامنا لها، و ما إن نبدأ في استخدام التكنولوجيا حتى يتغير المجتمع نفسه، و لا يعود كما كان أبدًا لذا أصبح الظل الرقمي جزأً مهم من شخصية الفرد و يحكم عليه من خلاله
كل البشر عرضة للخطأ
حين كانت الكتب تُكتب بجهد جهيد بخط اليد من جانب النساخين في دكاكين الوراقين كانت الأخطاء تتسلل إلى كل نسخة، أما أجهزة الكمبيوتر و الشبكات فتعمل بأسلوب مختلف فكل نسخة هي صورة طبق الأصل، تامة غير منقوصة، فمثلًا إذا أرسلتَ رسالة بريد إلكتروني إلى صديق و أرفقت معها صورة فوتوغرافية، فإن الصورة التي سيحصل عليها ذلك الصديق لن تكون أقل جودةً من الأصل الذي معك، بل ستكون صورة مطابقة للأصل حتى في أدق تفاصيلها التي قد لا تراها العين المجردة.
كيف تعرف مواقع الإنترنت هويتك؟
أنت الذي تخبرهم بذلك فقد تركتْ تلك المواقع سجلات تصفح على جهازك في إحدى زياراتك السابقة، و سجلات التصفح هي ملفات نصية صغيرة تخزن على القرص الصلب لجهازك، و تتضمن المعلومات التي يريد موقع إلكتروني بعينه أن تكون متاحة خلال الجلسة الحالية، أو من جلسة إلى التي تليها، و تعطي سجلات التصفح مواقع الإنترنت معلوماتٍ ثابتةً بغرض التتبع و التخصيص فيمكنك أن تأمر متصفحك أن يعرض تلك السجلات، و قد يدهشك عدد مواقع الإنترنت التي تركت سجلات تصفح على جهازك!
في الأخير ننصح بدراسة و تطوير برنامج متكامل لمحو الأمية الرقمية و خصوصا الجانب المتعلق بعملية تعليم و تعلم التكنولوجيا و إستخدام أدواتها حتى يتمتع المواطن كمستخدم بسيط بلياقة رقمية و تحصيل حصانة رقمية تفيده مستقبلا أثناء إبحاره في هذا الفضاء الفسيح المليء بالثقوب السوداء