الدال مرتبط بالمدلول .. !!

‏محمد الكوري العربي

من الأمور الدالة على التميع و الغش في المحسوسات و المعقولات، و على غياب النزاهة عندنا في استخدام المصطلحات شيوع الانفصام بين الدال و مدلوله .
و من ذلك الانفصام، استخدام كلمة " الرفيق" بين مجموعة من الأفراد لم يعد يجمعهم شيء !
فالرفيق لغويا، دون صرامة في التحديد، بعني الصاحب أو المرافق ، و الرفقة تعني الصحبة و المرافقة في السفر . و بما أن السفر مرهق و شاق و طويل في العادة، فإنه غربال أو مصفاة لفرز معادن الناس ، أثناء صحبتهم في السفر ، فيظهر سلوكهم و أخلاقهم و طاقة تحملهم و حلمهم و أمانتهم و وفاؤهم و إيثارهم ... حتى قالوا : إن من لم يسافر مع أحد لم يعرفه، يعني على حقيقته..
و قد أطلق الماركسيون و البعثيون كلمة " رفيق " على المنتمين للماركسية أو لحزب البعث ؛ معتبرين الانتماء لهذين الفكرين دربة و صحبة و رفقة على طريق النضال الطويل و القاسي ؛ كأنما هو سفر طويل و شاق !
و كما يصفي السفر طبيعة المسافرين و يكشف عن معادنهم المخبوءة في صدورهم، فكذلك شدة النضال و قسوة ظروفه من جوع و تشريد و سجن و تعذيب و تهميش و إقصاء و حرمان تفعل فعلها في صقل المناضلين، و إظهار النفيس منهم، و تعري الخسيس!
فكلمة الرفيق ، عبارة ثمينة و مميزة لصفات واقعية و حية، علئ درب النضال ، و ليست ميسما محفورا أبديا يذهب ألمه، و يبقى أخدودا ميتا؛ بل الرفيق رمز و دينامية على معاني و صافات جارية ، بما فيها من أفراح و أتراح و معاناة و أمل ..
و إذن، لا معنى لإطلاق كلمة " الرفيق " على مجموعة أفراد من الناس ، ارتبطوا في حقبة من الزمن بفكر معين، ثم تفرقوا عنه طرائق قددا ؛ و تركوا ما وحدهم و جمعهم ، في رفقة، من قيم نضالية و أهداف سامية وراء ظروهم ؛ فأبدلوا بها قيما و أهدافا قد تكون نقيضة لها، و قد تكون دون ذلك !
فليس مما له معنى إطلاق كلمة " رفيق " و التنادي بها بين بعثيين أو ماركسيين بعضهم في أحزاب السلطة ، و بعضهم في أحزاب معارضة للأولى، و بعضهم في أحزاب ليبرالية، و بعضهم في كيانات من صنع السلطة، و بعضهم ظهير ضد الآخر ، و بعضهم ذاب في مصاهر قبيلته و شريحته !
فأي معنى للتنادي ب" الرفيق" لمجموعة لم تعد لها مرجعية فكرية موحدة، و ليس لها بنية تنظيمة جامعة ، و ليس لها أهداف مشتركة توجههم في تحليل الأحداث و فرز المواقف و اتخاذ القرار ؛ بل كل يعمل على شاكلته ، و كل بما لديهم فرحون .. فمشرق و مغرب !
إن العلاقة بين الذين فرقوا وحدتهم لم تعد علاقة رفقة ، رفيق و رفيقة، و إنما علاقاتهم كمثل العلاقة الإنسانية التي تنشأ بين أفراد أسر تجاورت - مؤجرين- في حي سكن من مدينة ، ثم فرقتهم صروف الدهر ؛ فأصبح كل منهم في حي آخر، أو مدبنة أخرى ، أو حتى دولة أخرى !
فإذا تلاقوا بالصدفة استبد بهم الحنين لتلك الفترة ، و قد يبكي بعضهم لرؤية بعض ؛ و إذا لم تجمعهم الصدفة نسي بعضهم بعضا، و قد ينسى اسمه !
ذلك هو حال مدلول الرفقة بين من لم يعد يجمعهم نضال، و لا فكر و لا تنظيم و لا هدف ... حيث الحنين للماضي، مع القطيعة في الحاضر ..
و أما المستقبل، فقل إنما الغيب لله !!

سبت, 21/09/2019 - 15:44