رأي: غياب الوعي الديناميكي والثقافة المتطلعة.. كبح الحاضر

جمعة, 2015-12-25 06:53
الكاتب الولي ولد سيدي هيبه

"العلم أصل كلِّ شيء، يحرِّر العقول من القيود و من الأوهام، يُدِير حركة الإنتاج، يُدِير عجلة النهضة، يَقضِي على الكساد والفساد، يقضي على أمنيات الشيطان" و أما المشبع بمحتوى العلوم فإنه يصبح تافهاً، عندما يدير ظهره لتوعية الآخرين"
كأن الركود المعرفي و غياب إرادة تخطي حواجز الجهل الحضاري، بمتاح العلوم و نافذ التكنولوجيا المسخرة فوائدها الجمة لرفاه الإنسان و استقلاليته و حريته الإيجابيتين، هو قدر هذه البلاد و أنه مكتوب أيضا على أهلها رفض استيعاب و تمرير أن عكسَ ذلك هو السبيل الأسرع و الأضمن إلى تحقيق سلمهم الاجتماعي المذبذب و محاربة ما يرهقهم من حدة التباين و إذلال الدونية و فاجر الغبن و قهر الإقصاء العصيين على الانزياح و كذا و بالنتيجة بناء صرح الدولة المتوازنة "أركانَ القيام" و النمو و الثبات هو وحده إرادة ذاك التجاوز الملح بوجوبه إلى ساحة عمل لكل فيها دور لا غنى عنه بمن في ذلك من كانوا إلى أوقات قريبة نسبيا يصنفون داخل البلدان المتقدمة و الديمقراطية بذوي العاهات، و إذ أصبحوا اليوم فاعلين فيها بأدائهم و مبدعين بذكائهم و مشاركين بعطائهم.
و في الواقع فإن حياة الإنسان تتأثر بثقافته ووعيه، فكلما كان أكثر ثقافةً ووعياً، كانت حياته أرقى وأفضل، و لا شك في المقابل أن انخفاض المستوى الثقافي يقابله تدنٍ وانحطاط في المستوى الحياتي العام. 
كما أنه لا ريب في أن للوعي والثقافة في المجال الديني أهمية خاصة، لأن تدين الإنسان يجب أن يكون نتيجة قناعة منه، وإيمان واندفاع ذاتي، وليس حالة من الاسترسال والانسياق الوراثي أو الاجتماعي، الأمر الذي غاب منهجيا عن معطيات التحول، منذ الاستقلال و قيام الدولة المركزية المتجهة إلى سياق المواطنة، بانعدام الإرادة الشاملة إليها و في قالب خال من شوائب اعتبارات التراتبية و التفاضلية و الدونية الحرفية القدرية التي كانت تحكم و ما تزال و إن بوتيرة أقل إبداء المسار المجتمعي العام.
و هو الأمر الذي أضعف من الدور الحقيقي للدين في محكم رسالته و سمو مقاصده من عدل و مساواة و سعي إلى بناء النفس الفاضلة و توجيه الزند و الفكر إلى العمل الجاد و المخلص. و لما أن اختلطت رواسب الماضي بإكراهات الحداثة فقد خفت موازين التحول الإيجابي و توفرت للجهل وضعف الوعي و انحسار آفاق الثقافة الفرصةَ كاملة لظواهر وممارسات تكرس الواقع المر أكثر مما كان عليه الحال و تَصرف الهمم عن البحث الجاد مدارك الوعي و شحذ الهمم و الغوص في قيم الثقافة.
و ليس أدل على ذلك من تعطيل ذوي المعارف الجمة من جامعات العالم و معاهده العالية أرصدتهم المعرفية في فجاج السياسة المنتمية قلبا و قالبا إلى مضامين و اعتبارات الماضي لشحت منصب أو حظوة أو قرب من مركز قوة أو دائرة نفوذ مع تخليهم الكامل عن توظيف هذه المعارف في حقول نشر الثقافة و دوائر الوعي الشامل بضرورة ترجمتها إلى طموحات التحول و مواكبة ركب الأمم في مسارها الزاهي إلى الرقي الفكري و المجتعي.
و ليس واقع  أفراد هذه النخبة المرير إلا عائقا و مانعا حقيقيا لحصول اهتمام أبناء مجتمعهم بالثقافة علما بأن هذا الاهتمام يتأثر فقط بمستوى النشاط والحركة الثقافية العامة في البلاد؛ فإذا كانت هناك فاعلية ونشاط ثقافي، فلا شك أنها هي التي تخلق أجواء دافعة ومشجعة باتجاه الوعي والثقافة لدى أكبر عدد وأوسع رقعة اجتماعية تشكل من بعد مركز استقطاب الجميع من حولها و تدفع إلى الالتحام بالمحيط الأوسع رحابة حول البلد تمهيدا للانطلاق إلى فضاء العولمة و حوض سقايتها.
و لا شك أن وضعا يؤثر سلبا على المعطى السياسي في شكله و مضمونه ليترسخ ما هو حاصل من شخصنة الأحزاب على أسس ماضوية و أخرى غرضية بحسابات الربح المادي من ناحية، و إبعادها في بنيتها الفكرية و خطاباتها التوجيهية و مقاصدها السياسية عن تحمل الهم الثقافي و قيام الجهد التوعوي و التعبوي إلى مقاصد دولة المواطنة و ترسيخ قوة القانون في مسار الدولة من ناحية أخرى.
و إذا! فهل يعقل في ظل هذا الواقع الذي يطوقه غياب سافر للوعي الديناميكي و انعدام ملحوظ للثقافة المتطلعة أن تحظى هذه الدولة بفضاء من الوعي و الثقافة يحرك البلاد من شمول الجمود المحبط إلى إشراقة العطاء المحرر للطاقات و المحرك لإرادة الوجود و البناء؟
أو ليس من العيب بمكان أو ما هو على الأقل شائن أن تظل منذ الاستقلال مراكز الدول الشقيقة بنواياها الحسنة و الأجنبية بنواياها الغرضية هي التي تتولى إنعاش حقل ثقافي جاف و و تثابر كي تضخ فيه بعضا من دمائها الدافقة في كل الميادين و المواضيع الغير مقيدة بالخصوصيات الضيقة؟
و مهما تكن الإجابات عن هذه الأسئلة المربكة مختلفة و غير مقنعة، فسيبقى غياب الوعي الديناميكي و الثقافة المتطلعة كابحا حقيقيا لأي جهد ثقافي و سياسي و تنموي يسعى عن قصد لوضع قواعد راسخة و رفع دائم لكيان ظلت تنقذه لحد الساعة عناية الأقدار الإلهية من التفكك أو التلاشي أو المسخ و الضياع من فرط غياب تشكل هاتين الدعامتين.