مساهمة في الجدل الدائر حول هوية لحراطين (رأي)

سبت, 2016-01-23 09:02
الكاتب الصحفي عبيد إميجن

إن ترويح المزاعم بشأن عروبة أو أفرقة لحراطين. تبقى أقوى أسلحة بعض المناضلين لإظهار رفض الإذلال الهوياتي كعرب سمر مقابل تأكيد الإنتماء لجذور مفترضة، غير أن الترويج لهذا الطرح على وجاهته بات يفتقدالحسم لفائدة اي من الاتجاهين لذلك يستمر ويستمر وسيستمر طويلا!.
ومن أجل الإجهاز على عامل الوقت والزمن ثمة خيارات اضافيّة تشهرها حركة الحر الحالية وميثاق لحراطين بغرض التملص من الخيارين آنفي الذكر وذلك بلزوم "افتراض" ثالث " و"مؤقت" على أن مفاده التأكيد على وجود "مكون" اجتماعي ثالث يطرق باب الوثيقة الدستورية للسماح بالتبويب عليه من لدن المُشرِع الموريتاني، وفي هذه الحالة فإن البلد ستتنازعه هويات ثلاث هي البيظان ولكور ثم لحراطين..!
إن المطالب الاجتماعية الساعية إلى إرساء مجتمع أكثر مساواة وعدلا وبشكل متنام باتت مزعجة لأنها أضافت مطلبا مستجدا ويرتبط بحسم الهوية أو الهويات، وفي هذا السباق تتناثر على المشهدين الحقوقي والسياسي لافتات الشرائح المنبوذة أو المهمشة، حيث يظهر بوضوح أثر الحقوق السياسية والمدنية والذي ينم التحادث بشأنه عن الاجترار خاصة فيما يتعلق بالهوية التي تجاذبتها أصوات التوريد ولٓحْمٓارْ وليس الإبتكار والأصالة المطلوب توافرهما في حملة مشاعل الفكر والنضال، وهكذا أوجدت قرائح متسرعة الخيار الثالث، الذي لا يعدو أن يكون تملصا من الخيارات السابقة التي تفترضها حركات مناضلة و دون أن يشكل حدودا أو معالم حاسمة في شأن الهوية حتى يكون الطرح بينا واللائذون بمقاربته مقنعون.

ثم إن الإشتغال على إحياء الذاكرة الموحدة للحْراطِينْ وابراز الفلكلور الشعبي مثل فنون بَنْچَة أو آوْجِيلْ أو الْمَدَحْ أو نشر الأحاديث حول السلوكيات والقيم العرفية التي ينفرد بها لحراطين أو الخَظَارَة كإدارة القرى المأهولة "آدوابة" أو الإشارة الى مكانة الأمهات عند الفئات الشابة من الشريحة، إن التفكير في مكونات الهوية المستقلة للحراطين يجد وجاهته هنا دون أن يعني ذلك البتة أن الهوية تم ادراكها نهائيا وتفصيل معالمها نظريا،... نعم هذه محددات من شأنها أن تعزز الشعور بالاختلاف الفعلي خاصة اذا ترتب عليها عامل اللون في مقابل السمرة الفاتحة للقبائل البيظانية والتمايز من حيث اللغة في مواجهة قبائل لَكْوَرْ، يا سادتي لقد جلب لحراطين فرادى وأسر وجماعات كعبيد أو أخضعت قبائلهم الأصلية للعبودية وجرى تضييع جذورهم اللسانية وذابوا في الثقافة الحسانية وتباروا في أمجادها وآدابها، فيما تحافظ الغالبية العظمى على ملامحها الافريقية السوداء أو الخلاسية نتيجة الاختلاط أو أَتْجَوْرِ، وكل هذا صحيح وكله يعضد مواقف مدرسة أتْبَيْظين أو أسْتَكْويرْ وهما اللتان تتنازعان الانتماء القسري للحراطين اللذين وجدوا بدورهم أن عناصر ضرورية للحسم والاستغناء عنهما ماتزال ناقصة بما في ذلك الطموح المشترك فكثير من أبْزُگتْ السنغال حراطين ولكنهم مندمجون في الثقافة الولفية ويحسبون عليها أو الإنتماء لحضارة بعينها وكمثال على ذلك للمغرب حراطينه أو حراثوه على حد تفسير علال الفاسي ولكن هل يشكل هؤلاء امتدادا لحضارة شيدها العبيد أو قيم أرسوها؟ يجب ان نجيب على هذه الأسئلة، و بالنظر الى الهويات الوطنية الموازية هل تؤمن لنا هوية جديدة الإنصاف والحق والعدل وكلنا يعرف التجربة الهايتية والليبيرية؟.

لقد أورثت المواقف غير المؤصلة لهوية لحراطين من جانب الزعامات المبادرة للأجيال اللاحقة بيئة فكرية جد قاحلة، بل إنه باستثناء الميثاق التأسيسي فإن البقية ضائعة أو غير منشورة، وبالتالي فإن العودة إلى الأدبيات المبكرة التي نحتتها حركة الحر في أواسط سبعينيات القرن العشرين غير مأمونة ما دام الإرشيف غير موثق فيما تؤكد ذاكرة الآباء المؤسسين لنضال لحراطين أن الخلفيات المدرسية والايديلوجية كانت العامل الأبرز لتكريس الخلاف الدائم خاصة فيما يتعلق بالتطرق لمعضلة الهوية وهكذا ظهر هؤلاء إبان أول محنة مروا بها في مدينة لَگْوَارَبْ متفرقي الصفوف ومشتتي الكلمة وحتى الإنتماء الحركي لم يبرهن عليه أغلبهم؛ فإلى جانب الناصريون ظهر دعاة الزنوجة والى يمين هؤلاء يبرز المتقوقعون خلف الانتماءات القبلية والأميرية، بل وأطرا ناكرون للعبودية أيضا، وكان أن أصبح غض الطرف عن نقاش هذه المسألة ملجأ ومهربا من التشتت والخلاف قبل أن يفلح النظام السياسي الحاكم حينها بإغراء هؤلاء من أجل دخول حلبة الصراعات البينية فيما يتفرج عليهم غرماؤهم السياسيون وهم يتعاركون من أجل رضى السلطان.

وهكذا إنشغل المناضلون الأوائل في غنائم السياسة ودروب الوظائف فيما سَلَمَ اغلبهم بعروبة لحراطين وأحيانا بأتْبَيْظِينِ الشريحة وانصاع أنصار الزنوجة خلف الصمت المطبق ولعل الدليل المباشر على ذلك أنه من بين هؤلاء من بادر بالتنازل عن لقبه أو صَنْتِهِ وسجل اسمه الثنائي أو الثلاثي مفصولا بولد أو مَنْتْ، غير أن التجاوز لايعني البتر والسكوت لايعني الرضى فقد طرأت بعيد سقوط نظام ولد الطائع دعوات لرفع مظالم لحراطين فضل دعاتها الغوص بعيدا في دراسة الفكر السائد بغية تفنيد جوره كما طرحت تساؤلات تمحورت حول الانتماء الهوياتي بجرأة وعمق لايمكن تبسيطه أو التقليل من حملة مشعله، حتى أضحى الموضوع مطروقا من قبل العموم وانشغل فيه الناس دون أن يخرج المتناقشون بشأنه من شراك الصراعات السياسوية غير المنتهية.

ولعل جدل الهوية المثار بقوة هذه الأيام وقد يخمد ثم يطفو على السطح مرات قادمات سيظل مرتبطا دائما بالمعارك السياسيةالجانبية ومطاحنات الزعماء المستمرة حول الريادة والتحدث بإسم الشريحة الأكثر تهميشا وغبنا واقصاء خاصة إذا كانت الدولة ترعى وتؤطر النقاش وتنحاز من جهتها للانتماءات المحسوسة قبليا أو إثنيا وفيما عدى ذلك ينغلق المجتمع ولايباشر الإنفتاح أمام دعوات المساواة والديمقراطية والانعتاق، وهنا يتبادر إلى الذهن كيف يتماهى المناضلون مع الأنظمة إن لم يكن بهم رضى وتفهم لسياسات أتْبَيْظِينْ الشريحة؟

وقد توجد مصلحة من نوع ما في الإبقاء على الوضع قلقا ومرتبكا حتى تزداد الريبة حول المرامي والمقاصد النضالية للحراطين وتتسع دائرة الشكوك من حول عجز القادة عن حسم النقاش أو لجم التشنجات المتزايدة كلما طرق أحدهم التساؤل من نحن؟.

في مطلع العام 2010 كتبت منشورا اسميته "تبديد الشكوك" ضمن سلسلة من مقالات المحاججة الفكرية حول أحقيتنا بالنضال من أجل مجتمع عادل! وللإجابة على التساؤل من نحن؟ وحتى أساهم في وضع النقاط على الحروف بشأن تقولات المشككين!، فعقب على تلك المساهمة كثير من الكتاب والمفكرين وحرض على صاحبها رفاق سابقون كما إشتكى من قصورها آخرون، والحالة هذه فإن مثقفا دمث الأخلاق وله مستوى رفيعا من الثقافة إتصل بي على الخاص وطلب مني المساجلة معه حول هوية لحراطين من الناحية الفكرية والتأصيلية، وفي هذه اللحظة كان تركيزي منصبا على أن شريحة إسمها لحراطين تمثل مكونا ثالثا وقوة ديمغرافية يتلاعب بها الساسة، وضمن هذا المونولوج الداخلي اكتشفت انني تائه ما بين التأصيل الحقوقي والجذور التاريخية لشعب أوجدته عمليات الاختطاف والبيع والمغالطات الدينية وأحيانا القهر فإعتذرت عن تلك المساجلة، أما الأسباب التي دعتني للتريث والنظر لاتتعدى الموقف السياسي الذي يعتريني ويمايز رفاقي عن غيرهم.

وقبل هذا كنت عكفت رفقة مناضلين مهمين على وثيقة تؤصل للموضوع فتقاسمتنا مدارس السياسة الحراطينية وتشتت جمعنا دون البت في الموضوع الذي أرق مضاجع شركائنا في الوطن.

ومن جهة أخرى كنت أومن ولازلت بأن حسم الموضوع بعتريه ما يعتري إبعاد المثقفين الموريتانيين بمختلف الانتماءات الاجتماعية والعلمية عن المشاركة والمساهمة في الجدلات الفكرية والتي تعنيهم قبل أي كان وقد رأيت بأم عيني كيف يتم تلويث هؤلاء وكيف يجري ابعاد الكفاءات الفكرية عن نقاشات الهوية والتي لايمكن بحال حسمها بدون مساهماتهم التأطيرية.
ثمة تساؤلات جديدة، مثلا من هو الحرطاني؟ ثم من هم لحراطين؟ وماعلاقتهم بغيرهم من المجتمعات الموريتانية؟ وهل هنالك معطيات اركيولوجية يمكن ان يعتد بها للحديث عن الجذور؟ ماهي؟ ما هي الأصول النسبية والقرابية التي تجمع لحراطين إن لم تكن العبودية؟ما هي المزايا النظرية والموضوعية لمن صار عربيا؟ أو بربريا؟ أو بولاريا أو غير ذلك من القبائل الافريقية؟ ماهي الهوية؟ من يملكها؟.
…......
مراكش الحمراء-المملكة المغربية