يعد تشكيل فريق برلماني يعني بمتابعة الشأن البيئي مبادرة قيمة ،خصوصا في بلد فقير مثل بلادنا ،حيث أن ضغط المطالب الاجتماعية كثيرا ما يفقد صناع القرار الاتزان و الحكمة الضروريين، للتدبير والتسيير العقلاني والمستدام للموارد ،مما ينجم عنه عادة التركيز علي الفوائد قريبة الأجل علي حساب تلك المخاطر بعيدة الأجل.
تعد جماعات الضغط الناشطة في المجال البيئي سواء الأهلية منها ،أو المنتخبة ،صمام أمان لضبط جماح الحكومات ،حتي تهتم بالآثار البيئية للمشاريع التنموية، وترصد ميزانيات لتصحيح الاختلالات الناتجة عن تلك المشاريع.
لا يعد الإطار القانوني والمؤسسي في بلادنا عائقا أمام الاهتمام بالبيئة، نظرا للكم الكبير من المعاهدات البيئية المصادق عليها، والقوانين الوطنية التي تمس مجمل النواحي ذات الصلة بالبيئة ،إلا أن ذلك لم ينعكس علي بيئتنا فهي تتدهور يوما بعد يوم وتنوعنا البيولوجي يتراجع باطراد.
أول الدروس البيئية
لقد دفعت فترة جفاف السبعينات صناع القرار في دول حوض نهر السنغال، إلي إنجاز استصلاحات مائية كبري، تمثلت في سدي مانانتلي وجياما ،والحاجز الترابي علي الضفة اليمني ،سعيا لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء وعدم الاعتماد علي الأمطار، وبعد ما يقرب من ثلاثة عقود، نكتشف بان الوعود مجرد أوهام ، فلا الاكتفاء الذاتي تحقق، ولا الزراعة المروية تطورت ،ولا الملاحة النهرية تحققت، ولا الكهرباء توفرت ،ولا الفيضانات اختفت.
بالمقابل تحول ساكنة الضفة إلي فقراء ،فلم تعد أراضيهم الزراعية تفيض، فهجروها إلي المدن بحثا عن فرص عمل، وانتشرت حشائش التيفا في الدلتا ،وتراجعت أنواع عديدة ،واختفت أخري كثيرة كل ذلك جري بسبب عدم الاهتمام بدراسات الأثر البيئي، بالرغم من أنها أعدت ،لكن الممولين لم يمنحوها أموالهم، ونسيها صناع القرار ..درس يفترض أن يفتح أعيننا علي قادم الأيام.
استغلال الحوض المنجمي وخطورة السيانيد
شكلت الصناعات الاستخراجية المعدنية رافعة هامة للاقتصاد الوطني، نظرا لما توفره من فرص عمل، ودعم للخزينة الوطنية ، ولم تكن تلك المكاسب لتتحقق لولا وجود قوانين استثمار رائدة واستقرار سياسي، الأمر الذي يجب علينا جميعا دعمه ، إلا أن ذلك يجب أن لا يكون علي حساب بيئتنا، لكي لا نرتكب نفس الأخطاء السابقة سواء تلك المرتكبة في بلادنا أو في بلاد أخري.
فعلي سبيل المثال تقوم شركة كينروس تازيازت موريتانيا باستخراج الذهب بطريقة السيانيد، وهي من أفضل الطرق المتبعة، إلا أنها تتطلب اتخاذ احتياطات خاصة ،نظرا لان السيانيد مادة شديدة السمية حيث يعتبر من أخطر المواد غير العضوية السامة للإنسان، إذ يمكن أن يؤدي إلى الموت خلال ثوان معدودة ،بسبب نقص الأكسدة الخلوية التي تصيب الخلايا.
يحتاج الإنسان إلى كمية لا تتجاوز 0.2 من الغرام حتى يلقى حتفه المباشر خلال ثوان، وأشارت الدراسات الحديثة إلى أن استنشاق 200 إلى 500 جزء من هيدروجين السيانيد موجودة في مليون جزيء من الهواء لمدة 30 دقيقة، تؤدي إلى موت الإنسان.
نظرا لخطورة هذه المادة تقوم شركات استخراج الذهب بالمصادقة علي القانون الدولي لتسير السيانيد Code international de gestion du cyanure ،والذي صادقت عليه كينروس في كل مواقعها عبر العالم باستثناء موقعين في إفريقيا من ضمنهنا تازيازت ،ومنذ سنوات وأنا أتابع تقريرها السنوي لعله يحمل بشارة المصادقة، لكنه ظل مخيبا للآمال فكل إصدار يقول انه سيوقع لاحقا دون إعطاء سقف زمني لذلك، فهل حصل برلمانيو البيئة يا تري علي وعد أثناء زيارتهم الماضية للشركة؟
من المشاكل ألكبري المتعلقة بالسيانيد مستواه في النفايات، ولأخذ فكرة عن حجم هذه النفيات ،فكل طن من الصخور يحوي فقط علي غرامات معدودة من الذهب، ويحتاج إلي 380 لترا من الماء ، وبعد استخراج الذهب تبقي النفايات السائلة الصلبة الملوثة بالسيانيد، لتجمع في حوض استقبال، لكن هل تملك وزارة البيئة فكرة عن حدود السيانيد في النفايات علما ، أن توجيهات الاتحاد الأوربي تسمح بعشرين جزء بالمليون من السيانيد في أحواض الاستقبال والتي ستنخفض إلي عشرة فقط عام 2018 ، لكن ماذا عن حوض تازيازت فالله وحده يعلم حدود السيانيد فيه ،فالشركة لن تصرف الأموال الطائلة لتفكيك السيانيد بواسطة هيبوكلوريت الصوديوم ،إن لم يفرض عليها ذلك، وهي تتحجج بان السيانيد يتفكك طبيعيا فلماذا لا تنصح الاتحاد الأوربي إذا بتخفيف قيوده!.. إن عدم مطالبتنا تازيازت بتوقيع القانون المذكور سؤال آخر ضمن حزمة أسئلة علي برلمانيي البيئة طرحها بعد أن غفلت عنها وزارة البيئة.
استخراج النفط والغاز
من الأمور السارة اكتشاف مؤشرات قوية علي وجود محزونات هامة من النفط والغاز في سواحلنا ، لما ستوفره من طفرة اقتصادية نحن في أمس الحاجة إليها ،لكن الخبر يحمل في طياته قلقا وتوجسا، فاستغلال النفط والغاز في البيئة البحرية أمر محفوف بالمخاطر ،خصوصا أن المنطقة تعد من أكثر البيئات المائية غني وتنوعا ،وتحوي شعابا مرجانية نادرة ،تزدهر في المياه الباردة وعلي أعماق سحيقة، فكيف سيتحقق التوازن باستغلال الموارد دون خسران ثروة لا تقدر بثمن؟.. سؤال بحجم وطن.
الاستغلال المسؤول
ندرك جميعا بان الاستثمار شرط أساسي للتمنية ،وليتحقق الاستثمار المسؤول لا بد من توفير شروطه، بما يضمن مصالح المستثمر وتوفير بيئة مناسبة له، بعيدا عن الابتزاز والتحرش الذي كثيرا ما يدفعه للمغادرة، أو عدم تحمل مسؤولياته ليختار الطريق الأسهل المتمثل في شراء الذمم، لكن في نفس الوقت علينا أن نقف بحزم ضد أي تعد علي بيئتنا مهما كانت المكاسب المادية التي ستتحقق.
حمل ثقيل
نتمنى لفريق برلمانيي البيئة النجاح في مهمته ،خصوصا بأن مناصرة البيئة أمر في غاية الأهمية والتعقيد، فمن جهة حكومات تسعي لتمرير مشاريعها بسرعة و شركات عملاقة تملك المال والمشورة القانونية والخبرة، ومن ناحية أخري رأي عام ما زال يعتبر الهم البيئي مضيعة للوقت والفرص ،دون أن ننسي مصالح مبتزي المستثمرين مقابل التضحية بالبعد البيئي كلها معوقات نأمل أن يساهم الفريق في رفعها.