تشهد موريتانيا أزمة مالية خانقة نتيجة السياسة الاقتصادية الخاطئة التي عمد إليها النظام خلال السنوات القليلة الماضية ، فالنظام كان جريئا في اتخاذ القرارات المصيرية لمستقبل الوطن بصورة ارتجالية ومستعجلة ، ولأن الأزمة دائما ما تبدأ ببوادر تنبئ بأن هناك شيئاً ما غير عادي سيحدث ، فإن النظام كان يعلم جليا كل الأسباب المؤدية لحدوث هذه البؤرة بحيث كان بإمكانه استدراكها قبل أن تتطور وذلك من خلال اللجوء إلى خبراء في حل الأزمات المالية ، إلا أن النظام وعوضا عن ذلك عمد إلى سلسلة من الإجراءات المرتجلة الأخرى لزيادة المشاكل أكثر عن ما هي عليه ، لنجد أمامنا اليوم حقائق ملموسة لا يمكن تكذيبها أو حجبها عن الرأي العام ، فعجز النظام عن تحقيق نصف الإيرادات المالية التي كان يحققها في السنوات الماضية وعدم إيجاد بدائل لها يضعنا في وضع لا مفر منه !!
النظام يتوجه نحو سياسة تقشف غير معلنة لخفض النفقات والتخلص من الأعباء المالية قدر الإمكان لضمان سير مؤسسات الدولة بشكل مرن نوعا ما والتخلي عن الخدمات العمومية التي لن يمكن توفيرها بسبب ضعف الإيرادات ، ونظرا لعدم وجود توازن سياسي لنظام الحكم في موريتانيا ووجود أزمة سياسة موازية للأزمة المالية فإن النظام قد يواجه خطر البقاء ، فانعكاسات الأزمة ستفضي إلى حتما إلى نتائج سياسية واجتماعية ، كيف ؟
الخيارات المتاحة أمام النظام محدودة ، فالزيادة في الضرائب وإن كانت ستساعد في تخفيف الأزمة الحاصلة فإنها ستعمل على زيادة الأسعار على المواد الاستهلاكية الأساسية في ظل انخفاض مستوى دخل الفرض وتدهور قيمة العملة الوطنية مما قد يحرك الشارع باتجاه المطالبة بتغيير النظام !!
ليست قضايا الضرائب و الأسعار و نقص الأجور وحدها ما يثير الرعب لدى النظام ، فسياسة التقشف تقضي بتقليص الخدمات الاجتماعية العمومية في مجال الصحة والتعليم والتي هي شبه معدومة أصلا ، ولن تكون الدولة قادرة على دعم المنمين بتوفير العلف بأسعار مخفضة كما كانت في الماضي مما سيولد الدافع الأكبر ويزيد من فرص تحرك الشارع للمطالبة بالتجديد وعزل النظام !!
لا يقبل النظام الاعتراف بوجود أزمتين حقيقيتين مالية وسياسية ، و سيعمل على حملات إعلامية كاذبة يدفع فيها بالوزراء إلى الواجهة للتظليل وتبيين الحقائق الزائفة ، وهنا حيث تتم ممارسة تعتيم إعلامي على الأزمة وإنكار حدوثها وإظهار صلابة في الموقف وأن الأحوال على أحسن ما يرام فإن الواقع الحقيقي المعاش هو من سيكذب كل ذلك !!
سيحدث تغيير للنظام لا محالة إما من داخل النظام نفسه كما حدث أيام سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ، و إما من خارج النظام كما حدث في دول مجاورة ، ولأن الحوار السياسي وفي حال قيامه في هذه الفترة لا يخدم مصالح النظام الحالي فإن ارتباكا في المشهد السياسي سيطفو على السطح ، فالأحاديث في الخلف عن تحديد موعد للانتخابات التشريعية والبلدية نهاية السنة الحالية ما هي إلا مؤشر لوجود ذلك التخوف من انفجار الأزمة ، فتحديد موعد الانتخابات ينبغي أن يكون من نتائج الحوار السياسي .
هشاشة البنية المجتمعية لا يمكن أن تضمن نتائج آمنة للتحول الذي سيعيشه الموريتانيون في الأشهر القادمة ، هناك ثلاث أقطاب متباينة تشكل المشهد السياسي الموريتاني وهي : النظام والتيار الإسلامي والمعارضة الراديكالية ، كلهم معنيون بالأزمة ، فالنظام معني بإدارة الأزمة من خلال استقطاب وامتصاص وتكييف الأطراف الأخرى المشكلة للمشهد السياسي عن طريق التفاوض مع الكل من خلال رؤية علمية شاملة مبنية على عدة تساؤلات !! ماذا يريد النظام من التيار الإسلامي و المعارضة الراديكالية ، وما الذي يمكن تقديمه للحصول على ما تريده هذه الأطراف ، وما هي الوسائل التي يجب اتخاذها لاحتواء الأزمات ؟