نشر د. بيتر فام مدير مركز افريقيا بالمجلس الاطلسى Atlantic Council مقالا بتاريخ اليوم 8/6/2016م تناول فيه بقاء السودان على قائمة الارهاب الامريكية وذلك على خلفية التقرير السنوى لحالة الارهاب الذى صدر الاسبوع الماضى, وقد ذكر فام انه وفقاً للقانون الأمريكي على وزارة الخارجية الأمريكية أن توفر تقريراً وافياً ومتكاملاً كل عام للكونجرس عن حالة الإرهاب في العالم, وبالفعل فقد أصدرت وزارة الخارجية قبل أسبوع تقرير حالة الإرهاب في العالم للعام 2015م, وقد اتسم ملخص التقرير ما بين الإنذار بالخطر إلى اثارة الدهشة وعدم المنطق, حيث اورد التقرير في الصفحة (103) الاتى : "لقد عملت الولايات المتحدة بشكل تعاوني مع الدولة "X" في مجال مكافحة التهديد الذي تمثله القاعدة والدولة الإسلامية في العام 2015م, وقد تضمن التعاون الحد من إستخدام الارهابيين لطرق العبور والتساهيل عبر أراضي الدولة "X" .
قال فام إن التأكيد الذي أوردته وزارة الخارجية في تقريرها بتعاونها مع الدولة التي أشرنا لها بالحرف"X" في محاربة تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية قد يُدهش القارئ إذا عرف أن هذه الدولة هي من ضمن الدول التي لا تزال على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب وهذه الدولة هي جمهورية السودان, وقال ان السياسة الأمريكية تجاه السودان غير متسقة ناهيك عن أنها غير عقلانية, واضاف على الرغم من أن الحكومة الأمريكية لديها ملفات مفتوحة مع نظيرتها الحكومة السودانية, وتشمل هذه الملفات مخاوف مشروعة بشأن العنف المستمر, ,وصول المساعدات الإنسانية والفضاء السياسي داخل السودان, الا ان هذه الأسباب لم تكن هى التى قادت الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون لوضع السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب في عام 1993م, ومن ثم الإحتفاظ بالسودان داخل القائمة حتى الآن.
اوضح بيتر فام إن الأسباب الحقيقية وراء وضع السودان في قائمة الإرهاب هي دعم السودان لبعض المجموعات مثل منظمة ابو نضال, الجهاد الإسلامي الفلسطيني, حماس وحزب الله, وقد قُتل الإرهابى صبرى خليل البنا المعروف بإسم ابو نضال فى بغداد في عام 2002م وذلك وفقاً لتقارير وزارة الخارجية الأمريكية نفسها ولم ترد أى أنشطة حالية معروفة لمنظمة أبو نضال وهي غير نشطة كما ورد في تقرير حالة الإرهاب صفحة (351), وفى السابق سمحت الحكومة السودانية لأفراد من مجموعة حماس بجمع التبرعات والإقامة في السودان, ولكن في العام 2015م وكما ذكر تقرير حالة الإرهاب في الصفحة (301) أن نشاط إستخدام المجموعات الإرهابية الفلسطينية للسودان قد إنخفض .
اشار بيتر فام الى ان إدارة الرئيس بيل كلينتون بررت إتهاماتها بأن السودان كان نقطة تجمع للجماعات الإرهابية ويضم ذلك زعيم القاعدة اسامة بن لادن والذي إستضافه حسن الترابي في منتصف تسعينيات القرن الماضي, وقد كان الترابي حينها رئيس المجلس الوطنى السودانى والأمين العام للجبهة الإسلامية, ولكن الترابى فقد وظيفته فى الحكومة السودانية بعد خلافه مع الرئيس السودانى عمر البشير فى عام 1999م, ومنذ ذلك الحين أصبح الترابى مُرتاداً للمعتقلات إلى أن توفى هذا العام, إضافة لذلك فقد أوردت وزارة الخارجية فى تقريرها عن حالة الإرهاب أن دعم السودان لتنظيم القاعدة قد توقف .
اوضح بيتر فام ان تقرير وزارة الخارجية قد اورد في صفحة (45) أن حكومة السودان قد اعتقلت في عام 2014م المدعو أمينو صادق والذي توجد مزاعم أنه العقل المدبر لتفجيرات بوكو حرام في عام 2014م ( تفجيرات نيانيا ) في أبوجا والتي راح ضحيتها 70 شخصاً, وقد سلمت السلطات السودانية أمينو للسلطات النيجيرية من أجل محاكمته, ولم تكن هذه الحالة الوحيدة التي يتعامل فيها السودان مع سلطات إنفاذ القانون الدولى, وفى هذا الإسبوع أرجعت وكالة الجريمة الوطنية البريطانية الفضل للسلطات السودانية في إلقاء القبض وتسليم أكثر تجار البشر المطلوبين لإيطاليا وهو مريد ميظانى " الجنرال " وهو أريترى متهم بإغراق السفينة لامبيدوسا في عام 2013م والتي راح ضحيتها 359 من المهاجرين, كما أصبحت القوات السودانية أيضاً جزء من التحالف العربى السنى الذى يقاتل في اليمن لإستعادة الحكومة المعترف بها دولياً, وقد قطع السودان علاقاته الدبلوماسية مع إيران وطرد السفير الإيرانى فى يناير 2016م .
ذكر بيتر فام ان العلاقات السودانية الأمريكية تشهد إحتداماً شديداً في العشرين عاماً الماضية وذلك منذ ان وضع السودان في القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب, الا انه فى الوقت الحالى من الصعب المجادلة بشكل مقنع بشأن وجود الأسباب التي أدت لوضع السودان أصلاً في القائمة, واضاف فام ان تقرير وزارة الخارجية للإرهاب للعام الماضى كان قد اشاد بتعاون الخرطوم ضد تمويل الإرهاب, واضاف بيتر فام ان حكومة السودان تعارض تمويل العناصر المتطرفة, حيث قام بنك السودان المركزى بأنشاء وحدة المعلومات المالية فى أواخر عام 2014م, وتم بعد ذلك توزيع قائمة على المؤسسات المالية بالأفراد والكيانات المدرجة في قائمة الأمم المتحدة للجنة العقوبات (1267), إضافة للقائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية والممولين, كما قام السودان بالمصادقة على قانون مكافحة غسيل الأموال للعام 2003م وفقاً لقرار الأمم المتحدة (1373) الخاص بتمويل الإرهاب .
اوضح بيتر فام ان الحكومة السودانية قد واصلت التعاون مع فريق العمل المالى وإتخذت خطوات من أجل تلبية المعايير الدولية في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب, وقد صادق السودان في عام 2014م على قانون جديد لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب, كما صادق أيضاً على إتفاقية الأمم المتحدة لمحاربة الفساد, إضافة لإستمرار السودان في التعاون مع الولايات المتحدة في التحقيق بشأن الجرائم المالية المتعلقة بالإرهاب, واضاف فام ان من المفاراقات الموجودة في تقرير وزارة الخارجية السابق أن التقرير إعترف بشكل عابر أن القيود المالية على السودان لكونه "دولة راعية للإرهاب " قد تعرقل قدرة السودان على التعاون بشأن الإرهاب ويورد التقرير" إن قدرة الحكومة السودانية على مراقبة تدفق التمويل غير المشروع تتأثر سلباً إذ تزداد صعوبة القطاعات المصرفية السودانية في إيجاد بنوك للمساعدة في معالجة المعاملات والتحويلات الدولية مما يضطر معظم المواطنين السودانيين لتحويل مبالغهم المالية نقداً " .
اختتم فام المقال بالقول ان لدى الولايات المتحدة عدد من القضايا المعلّقة مع الجانب السودانى, واشار الى الحاجة لتوسيع دائرة الحوار فى هذه القضايا مع السودان وذلك عبر التحاور مع المسؤولين الحكوميين, المعارضة السياسية, المجتمع المدنى, الجماعات الدينية والقطاع الخاص, وقال أن الحفاظ العنيد على إدراج السودان في قائمة الإرهاب لهذه الفترة الطويلة على الرغم من إنتفاء الأسباب الأصلية لهذا التصنيف لا يمثل الوسيلة الأنجع لتحقيق أهداف تعزيز التفاهم المتبادل والذي يؤدي في نهاية المطاف لقرارات عمليّة للتصدى للصراعات المحلية والإقليمية الملحّة .
التعليق :
أ. التقرير يمثل مرافعة جيدة عن السودان من رجل مهم ومعروف وسط الباحثين والمفكرين فى الشأن الافريقى, ونشير الى د. بيتر فام كان قد زار السودان فى مايو الماضى بدعوة من السيد/وزير الخارجية.
ب. ابرز المقال جهود السودان فى مجال مكافحة الارهاب وتعاونه مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولى, وقدم حجج منطقية تؤكد انتفاء الاسباب التى ادت الى وضع السودان على قائمة الارهاب, ومن بينها اعتراف تقرير وزارة الخارجية الامريكية عن حالة الارهاب فى العالم بتعاون السودان فى مكافحة الارهاب