"الصحراء" تنشر سرد عبدو ديوف لأحداث 89 (ج1)

ثلاثاء, 2014-12-09 20:49
غلاف مذكرات عبدو ديوف

(1)

في سنة 1989 انفجرت أزمة كبيرة بين موريتانيا والسنغال، كانت شرارتها في صدام بين مزارعين سنغاليين ورعاة موريتانيين، وتم سجن السنغاليين في موريتانيا بمدينة سيلبابي، وكان يمكن أن تمر لولا أن وزير الداخلية الموريتاني صرح في داكار تصريحات مؤسفة وغير مناسبة قلل فيها من حجم ما جرى.

والعلاقات بين موريتانيا والسنغال كانت متميزة في عهد المختار ولد داداه، لكنه مع مجيء ولد الطائع إلى السلطة بدأت العلاقات تسوء وتكررت الأزمات. (...) أنا لم أستقبل اللاجئين الموريتانيين وهو عمل يمكن أن يكون مصدرا للنزاع بين البلدين، وامتنعت خصوصا عن تقديم أي عون للمعارضين الموريتانيين للحكومة. ومع ذلك فإنهم بصفتهم كلاجئين تم التكفل بهم وتقديم الغذاء لهم، وذلك من خلال أركاني الخاصة والوزارة الوصية.

فهل كانت من اللازم أن تفسد هذه الأزمة العلاقات بين البلدين، وخصوصا أن تلقى بظلال من الشك بيني وبين ولد الطائع حيث كنا حتى ذلك الوقت نتمتع بعلاقات ممتازة. ويجب القول إن مستوى العلاقات بيننا، على الرغم من التآمر، كان يساعد كثيرا في تهدئة الأوضاع في ما عدا هذه الحقبة من تاريخ بلدينا. فلو لم يكن يقود البلدين كل من عبدو ديوف ومعاوية ولد الطائع لكان الوضع أسوأ بكثير.

صحيح أنه لم يقتل أي شخص على الحدود بين البلدين، لكن كلا منا اتخذ قرار بتهجير الأشخاص الذين كانوا في وضع الخطر؛ كل الموريتانيين تجمعوا قرب المعرض في داكار وبمساعدة الفرنسيين تمكنا من إرسالهم بشكل منتظم نحو نواكشوط، وفعل الرئيس ولد الطائع نفس الشيء.

لقد حاول عدد من القادة الأفارقة إيجاد حل للأزمة لكن دون جدوى؛ كان لدى ولدى ولد الطائع صقور، لكني، رغم ذلك، استطعت نزع فتيل القنبلة بسهولة أكثر منه.

ومن الأمثلة على محاولات الوساطة ما قام به الرئيس المصري مبارك عندما اقترح علي برنامجا للحل عندما كنت في القاهرة؛ ورغم عدم رضاي عن بعض النقاط في المشروع؛ إلا أنني في النهاية أبديت موافقتي وأكدت على ضرورة الحوار لإيجاد حل.

الرئيس مبارك تحدث كذلك بخصوص المخطط مع وزير خارجيته بطرس غالي، ودعا الرئيس ولد الطائع لعرض الموضوع عليه، ومع ذلك فإن مبارك قد ارتكب ما أراه خطأ تكتيكيا، ففي حديثه مع ولد الطائع أفهمه أني في مكتبه وأني موافق على المشروع، وهو ما جعل الأخير يعتبر الأمر مجرد فخ ويتقاعس عن التعاطي مع الوساطة.

وكان للأزمة أن تحل بفضل تدخل زميلي في المدرسة الوطنية لفرنسا وما وراء البحار السيد بلاز والذي كان مديرا للمخابرات الفرنسية آن إذ.

 لقد اتصل بي ذات يوم، وقال: "أخي العزيز لقد لاحظت أن كل من حاولوا التدخل في هذا الملف قد فشلوا، لكن أيا منهم لم يضع في حسبانه أن تصريحاتكم تنشر على وسائل الإعلام وأن وراء كل منكم رأيا عاما، وبالتالي فإن الطريق سيظل مسدودا؛ أما أنا فأقترح عليكم حلا سريا؛ لِيُعين كل منكم ممثلا شخصيا يأتي إلينا في باريس لنجتمع سوية، وننطلق من الأسهل إلى الأصعب ونذلك أعتقد أننا سنتوصل إلى حل للمشكلة".

وقد وافقت، كما وافق ولد الطائع وبدأت العجلة تدور؛ بعثت بقائد أركاني الخاصة، وبعث ولد الطائع بمستشاره الدبلوماسي، وجرى اللقاء في سرية تامة وتم تمهيد كافة الصعوبات دون أن يعلم أحد، وقد دخلت الخارجية الفرنسية على الخط بعد ذلك عندما أعطت كلتا الحكومتين موفقتها على ما جرى، وبعثنا وزيري الخارجية لتوقيع الاتفاق والإعلان عن استئناف العلاقات بين البلدين، وبذلك انتهت الأزمة، وأشيد هنا بدور السيد بلاز الذي كانت فكرته مفتاح تسوية هذه المشكلة المؤلمة.

ويجب أن أعترف بأن هذه المشكلة تسببت في صعوبات كثيرة للسنغاليين في الضفة، ولم يتوقفوا عن المطالبة بإعادة النظر في المشكلة، خصوصا ما يتعلق بالأراضي الزراعية. وكان بعضهم يتهمني بالضعف تجاه موريتانيا حينما لم أعلن عليها الحرب.

مذكرات الرئيس السنغالي الأسبق عبدو ديوف، ص 216 –219

يبتع.....

ترجمة مركز الصحراء