جحيم الغربة

محمد محمود ولد محمد أحمد

الكثير من شبابنا يبيت لياليه يتقلب في فردوس الغربة يحتسي القهوة على شرفات شلالات نياجارا الساحرة و يتبادل الحديث مع نجلى تسلب لبه،أو يستقل سيارة اللامبرجيني ليجلب مثلجاته المفضلة من وسط لندن، أو ربما استهوته هواية لعب الجولف في ضواحي سدني.......
ليصحو ، فلا هو برب الشويهة أو برب البعير، ليحرق سنوات عمره - دون جهد أو عمل -  أملا في الوصول إلى الضفة الأخرى.
لكن من جرب جمر الغربة يدرك جيدا نعيم أن يكون للمرء وطن يشرب فيه الماء عسلا و يمشي على رماله ملكا على رأسه تاج طمأنينة لا يراه إلى مرضى الشوق و الحنين الذي لا ينقضي.
فكم من مغترب تسللت أيام شبابه من بين أصابعه و عاش شيخوخته مدينة شوق لمراتع الصبا، و كم من مغترب حمل حقائبه مودعا والديه دون أن يدرك أنه الوداع الأخير، و كم من مغترب علل النفس بالعودة للديار و لم يعد.....
بلادي و إن جارت علي عزيزة..... و أهلي و إن ضنوا علي كرام، بيت شعر لا يدرك الإنسان معناه الجلي إلا بعد أن تنغرز ساقاه في وحل الغربة و تتلاشى وجوه معارفه شيئا فشيئا في مخيلته المغتربة، دون أن ينجح في استعادتها و إلى الأبد.
عيشوا في أوطانكم، و كافحوا صعوبة العيش بالجد و العمل و الصبر، فقضم كسرة خبز حافية معجونة بعرق الجبين تحت ظل شجرة في وطنك، هي ألذ  و أطيب مما سواها في جحيم الغربة.

اثنين, 27/07/2020 - 08:57