بعد المسافة بين الأمل والعمل

محفوظ ابراهيم فال

يقول الشيخ محمد الغزالي سألني بعضهم : أليس مصيرنا الجنة نحن المسلمین مصداق قول رسول الله : «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة»؟
فنظرت إليه وقدرت المسافة بين عمله وأمله فوجدتها بعيدة بعيدة . ورأيت أنه لا يحفظ من الإسلام إلا ما يظنه عونا على كسله . کالمتسول الذي تغيب عن ذهنه آيات القرآن كلها ، فلا يعي منها إلا آية واحدة : " من جاء بالحسنة فله عشر امثالها"
فهو يقرأ الآية ليستدر بها الأكف ويجمع الأموال . قلت : ألا تعرف من سنة رسول الله إلا هذا الحديث وحده؟ إن رسول الله إلى جانب ما رويت يقول :
 «لا يدخل الجنة قات »1. ويقول : «لا يدخل الجنة قاطع رحم»2 . ويقول : «لا يدخل الجنة من كان في قلبة مثقال ذرة من كبر»3 . ويقول : «ليس منا من غشنا»4. ويقول : «ليس منا من لطم الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية »5. ويقول : «ليس منا من خبب . أي أفسد . امرأة على زوجها»6 . ويقول : «ليس منا من لم يوقر كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه» 7.
أفنسيت هذه السنن كلها لأنها تدلك على ما ارتبط بعنقك من واجبات ولم تع إلا ما حسبته حقا لك وهو الجئة ، فأنت تطلبه بلا ثمن؟!
وهذا الصنف من الناس ضعيف الإحساس بأخطائه ، فإذا أكره على الشعور بنقيصه اقترفها اعتقد أن في استطاعته تكفير سيئاته كلها باعتذار تافه ، أو حسنة خفيفة . إن أولي الألباب لما دعوا الله أن يغفر ذنوبهم ، كان من إجابته لهم أن قال :
"فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي و قاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار"
أما الحمقى فهم الذين يتوهمون أن خطيئاتهم الكبرى تذوب من تلقاء نفسها ، دون أن تعالج بالدلك والتطهير والإنقاء ، وما يستتبعه ذلك من جهد مضن وسهر طويل .
أعرف من مطالعاتي الكثيرة أن هناك من الآثار ما يقرن المغفرة العامة بعمل قد يبدو في ظاهره سهل الأداء ، كتساقط الذنوب مع قطرات ماء الوضوء مثلا ، فلا يضطرب فهمك في قيم الأعمال لهذه الظواهر .
وتأكد أن الثواب الجزيل لايسوقه الله عز وجل في عمل كالوضوء ، إلا إذا صاحبه من عمق الإيمان وصدق الإخلاص وجمال الاحتساب ما يجعل صاحبه أهلا لأن يبذل النفس والنفيس في سبيل الله تبارك وتعالی .
إن الدين حقوق وواجبات ، وإن الدنيا حقوق وواجبات . وكل عقد ذی بال بين طرفين فهو ينطوي على حقوق وواجبات . فأدّ  واجبك ، واشعر بعبئه على كاهلك ، ولا تلتمس منه المهارب . فإذا وفيت بما عليك ، فانتظر حقك ، أو اطلبه كاملا فلن يعيبك أحد .
أما أن ينطلق المرء في الدنيا متطلعا شعاره : « هل من مزيد » من غير كفاية ولا استحقاق ، فهذه هي الكارثة .ومثل هذا المسلك لا ضمن به دنيا ، ولا يصح به دین .
 من كتاب جدد حياتك.

خميس, 26/11/2020 - 10:20