الضغوط الداخلية في القلاع الرقمية (6)

يوسف مبارك

المعسكر الشرقي الرقمي يعلم تماما أنه رأس التنمية في بلاده، ويسعى لتمكين أحد أعضائه أو أكثر من تحقيق صفة القطب الثاني كامل الإمكانيات، وأداء دور الثقل التقني الموازن – والتقنية اليوم هي كل شيء.

ومع حجب أسرار العمل وحقوق استخدام نظم التشغيل الغربية ذات الرواج الأعلى – وهو حق علمي وتجاري خصوصيته مرهونة بانتهاء صلاحية الاحتكار في براءات الاختراع، أو ربط هذه الحقوق باتفاقات سياسية واقتصادية ثقيلة الشروط – فإن هذا المعسكر الرقمي سيبادر لا محالة إلى العمل في الظل وتحت غطاء المتسللين.

أنظمة تشغيل الحواسيب والأجهزة المحمولة هي اليوم معابر انتشار وانحياز اقتصادي وسياسي ومعرفي وثقافي؛ تتصارع عليه الدول والأسواق، دفعا واستقطابا، ومع نقل وحفظ البيانات المهمة عبرها فحبذا الاختراق! مؤخرا، ومع التسلل الخفي والواسع والعميق لنظم المعلومات المؤسسية والحكومية في الولايات المتحدة، بات لزاما عليها كدولة رائدة أن تطبق حلا لمشكلة ضعف التواصل وسوء الفهم بين أجهزة الدفاع العسكري والرقمي من جهة، والمتاجرين بتهم الخصوصية واحتكار السوق وتفاوت مرونة التمثيل الحزبي في الاعلام الاجتماعي من جهة أخرى – رغم جدوى الشكوك بشأن بعضها، وإلا افتقرت الولايات المتحدة – رأس التقدم الرقمي الحالي وقائدة الانترنت – إلى قدرتها على حفظ أمن المعلومات والأنظمة التشغيلية للحواسيب المنبثقة من شركاتها والمستخدمة فيها، وقد تشهد مسارعة المستخدمين للانضمام إلى المعسكر صاحب التقنيات الأقدر على الحماية، وليس ثمة طرف موثوق بالكامل في القلاع الرقمية – الحكومية والخاصة.

هذا التسلل يحقق هز الثقة في الداخل الأمريكي، وأيضا عبر شبكات الشراكة الرقمية الأمريكية مع حلفائها، ومن ثم سيقدم البديل في مرحلة ما، لا يجب أن تتلو مباشرة مرحلة نجاح الاختراق تجنبا للاتهامات الجاهزة، وقد يأتي الحل في شكل برمجيات جديدة لمكافحة القرصنة (ربما من كاسبرسكي في روسيا، ومعه عقود ترخيص لتأجير الحل الباهظ على سائر مطوري برامج الحماية)، أو على هيئة نظام تشغيل جديد أكثر أمانا وكفاءة (ربما من هواوي المحجوبة عن نظم التشغيل وباقات التطبيقات الأمريكية).

إن حدث هذا، أو ما يشبهه في المقاربة العملية، فسيكون بمثابة أكبر إهانة توجه رقميا ومعلوماتيا منذ تمت عسكرة الحلول التقنية، تماما كمن يكسر ساقك ليبيعك الجبيرة! والأمر إذا شهد مكاشفة وتفاضحا فقد يؤدي إلى اتفاقيات سلام أو هدنات رقمية، تجد دولنا أنفسها مضطرة للانضمام إليها بحكم وجودها في نفس الفضاء الرقمي وحلوله، وتأثرها بما يلحق الضرر به. رغم كل أوجه القلق، تظل هذه الاختراقات حاليا ظاهرة صحية لتنمية أخلاقيات العمل الملزمة والمتبادلة مستقبلا في هذا الحقل العلمي، قبل تحقيق القفزة النوعية بالاقتران الرقمي الأعظم بين الحوسبة الكمية والذكاء الاصطناعي للأشياء، والتي تتطلب محاذير وتحوطات إلزامية لا تقبل حسن النوايا، لفداحة ما قد ينتج عن سوء استخدامها، ولنا وقفة معها في مقال قادم بمشيئة الله تعالى.

سكاي نيوز عربية 

سبت, 26/12/2020 - 10:33