وفقًا لما ذكر في المستندات الخاصة بالميزانية العامة الداخلية للولايات المتحدة الأمريكية والمصادر الأخرى، تشمل خطة دونالد ترامب بهدفها الأوحد من أن تكون المصالح الأمريكية أولى اهتماماته، وهو وقف المساعدات الأمريكية للدول النامية إلى جانب دمج وزارة الخارجية مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
تعهدت إدارة الرئيس الأمريكي الجديدة، في شهر مارس الماضي، بخفض المساعدات الممنوحة للدول النامية بنسبة تصل إلى الثلث، وفقًا لتفاصيل محددة.
ووفقًا لوثيقة ميزانية وزارة الخارجية الأمريكية، المكونة من 15 صفحة التي نجح موقع فورين بوليسي في الحصول عليها، شملت الوثائق على إعادة توجيه التمويلات المالية من إمداد هذه الدول بالمساعدات التي تعمل على مساعدتها في تطويرها إلى برنامج يرتبط بأهداف الأمن الوطني.
تشير الوثائق المطروحة إلى تفاصيل خطط إدارة ترامب لتقليص المساعدات الأجنبية المباشرة ليتم تطبيقها في بداية السنة المالية لعام 2018.
لا تعد هذه الخطوة بالأمر غير المسبوق؛ حيث تم إيقاف عمل وكالة المعلومات الأمريكية، في عام 1999، والتي كانت تساهم في توفير البرامج المعلوماتية والثقافية للخارج، فتم وقف العديد من برامجها الفعالة في وزارة الخارجية الأمريكية.
ولكن، إجبار جهة مسئولة عن الوقاية من الأمراض والأمن الغذائي يثبت اتجاه الحكومة إلى الإستقطاب التام؛ فستتسبب هذه الخطوة في إنهاء عمل الخبرات القائمة في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وهو ما يشير إلى حدوث نتائج كارثية على المدى البعيد.
بالطبع ستدفع أمريكا ثمن هذه الخطوة غاليًا، فهي خطوة لم تتفكر فيها الإدارة الأمريكية الجديدة جيدًا إلى جانب حرصها على إحداث العديد من التغيرات في هيكل المنظمات القائمة وتقليل حد الإنفاق”.
وعلى صعيد آخر، رفضت كل من وزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من التعقيب على احتمالية دمج المؤسستين سويًا؛ حيث تنتوي وكالة التنمية الدولية الأمريكية إلى الاستفادة التامة من الضرائب الأمريكية عن طريق التخلص من البرامج غير المهمة إلى جانب إعطاء الأولوية القصوى للمصادر التي تعمل على تحقيق الأهداف الأمريكية، حيث تعمل الوكالة حاليًا في ما يقرب من 100 دولة.
هذا ومن المحتمل أن لا تكتفي الإدارة الأمريكية بإنهاء هذه الجوانب فقط، وإنما تسعى إلى استهداف تمويل المساعدات الطبية الدولية باحتمالية حرمان 41 دولة منها.
وعلى الرغم من التزام ميزانية دونالد ترامب بالحفاظ على تمويل خطة الرئيس الطارئة الموضوعة لمرض الإيدز من مبادرة أمريكا لمحاربة مرض نقص المناعة البشرية “الإيدز” في العالم، فتشير ميزانية وزارة الخارجية إلى أنه من المقرر أن تحصل البرامج الصحية الأجنبية إلى تمويل يصل إلى 25% من ميزانيتها.
بينما علق توم كينيون، رئيس مجلس إدارة مشروع الأمل الدولي للصحة قائلا: “أعلم جيدًا مدى أهمية التمويل الأمريكية في إنقاذ حياة ملايين الناس، ومما لا شك فيه أن الكثير من الناس ستموت بسبب منعها عنهم”، إلى جانب أن خفض الإدارة الأمريكية لتمويلات الصحية العالمية قد يعرض الشعب الأمريكي لمخاطر كبيرة في حالة ظهور أي وباء كبير، فبالتالي تصبح الولايات المتحدة الأمريكية أكثر عرضة لانتشار الأمراض المعدية، مثلما حدث في أزمة الإيبولا، فهي أمراض تبدأ في الخارج وسرعان ما نتنشر في أمريكا.
وتمامًا مثلما سبق، من المقرر أن يخسر مكتب الأمن الغذائي 68% من تمويله، مما قد يقلل من قيمة المساعدات الموجهة لصالح منع انتقاص الغذاء، وقد يجبر بذلك أمريكا والعديد من الدول المتبرعة الأخرى على إنفاق مواردها على المساعدات الغذائية الطارئة.
وقامت الإدارة الجديدة بتنفيذ وعودها، إلى جانب الأمن الصحي والغذائي، لتخفيض مساعداتها للدول المتضررة من التغيرات المناخية، حيث تشير الميزانية المحددة حاليًا إلى خفض مساهماتها في هذا الجانب وصلت إلى 94.5% من تمويل مكتب شئون المحيط التابع لوزارة الخارجية والشئون البيئية والعلمية الدولية.
بينما مساهمة أمريكا لصالح صندوق المناخ الأخضر والتي تصل تقريبًا إلى مليار دولار مخصصة لصالح الحد من انبعاثات الكربونية. هذا ويعد التزام صندوق المناخ الأخضر أحد أهم الالتزامات المبرمة من قبل أمريكا وفقًا للاتفاقية المناخية في باريس لعام 2016 التي تسعى للحفاظ على درجات الحرارة العالمية ومنعها من الارتفاع لدرجتين مؤويتين، فتصل إلى معدلات كارثية على المناخ العالمي.
وبالطبع تقع العديد من البرامج الأخرى على حافة هذه الانخفاضات التمويلية؛ من مشاكل النساء العالمية، والمشاكل المتعلقة بالهجمات الإليكترونية، وشراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء الكبرى.
تشير كل هذه المحاولات، من تقليل حجم المعونات الأمريكية، إلى محاولة ربط أي مساعدة تهدف إلى تطوير المصالح الأمنية الوطنية الأمريكية، حيث أزالت الميزانية أي جزء يعمل على تمويل مساعدات، فأصبحت بذلك تمول 77 دولة ومكتب إقليمي لها صلة بالسياسات الأمريكية أو توجهات استراتيجية بعينها.
أثار تعزيز الحكومة للتمويل الاقتصادي ودعمه والتخلص من التمويلات الخارجية مخاوف في عالم التنمية الدولية من اقتصار اهتمام إدراة ترامب الجديدة على استغلال المساعدات الخارجية لتحقيق أهداف سياسية قصيرة المدى عكس أي محاولات حاول من سبقوه أن يحققوها.
وإذا ما نظرنا إلى التاريخ، سنجد أن رئيس الوزراء هينري كيسينجر حاول، مثل دونالد ترامب، تحويل تمويلات وكالة التنمية الدولية الأمريكية أثناء الحرب الباردة لصالح الأهداف السياسية الأمريكية، فعلى الرغم من أن كيسينجر كان من أفضل وزراء الخارجية الأمريكية، إلا أنه لم يكن مساندًا للمساعدات الأجنبية.
و أشار العديد من الخبراء المهتمين بالسياسات الأجنبية المنتمين إلى الطرفين إلى خطورة تقليل التمويل المالي للمساعدات على مصالح الأمن الأمريكية، نظرًا لأهمية دور الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية في الحفاظ على الأمن الدولي عن طريق مواجهة الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة، والحد من تدفق اللاجئين ومحاربة الأمراض المعدية مثل الإيبولا. وبالطبع ستأثر على فقدان أمريكا لسيطرتها على العديد من المناطق الأخرى والدول.
فقد تم توجيه قرارات خفض التمويلات بالأخص تجاه بعض الدول المهمة بالنسبة لأمريكا استراتيجيًا؛ مثل المساعدات الأجنبية لأوكرانيا المشجعة للإصلاح السياسي والاقتصادي حيث وصلت نسبتها إلى 68.8% من أصل التمويلات الخاصة بها على الرغم من أهمية السياست الأمريكية المتبنية تجاه أوكرانيا منذ أعوام عديدة المهتمة على تشجيع الاتجاه بأوكرانيا للانضمام إلى المؤسسات الأوروبية عوضًا عن الانحياز إلى المؤسسات الروسية المعادية لأمريكا منذ قديم الأزل.
المصدر: فورين بوليسي